خارطة الحي الذي أسكنه ” حي الوعر” مرسومة صورته على القلب بشوارعه الممتدة وساحاته الواسعة و حدائقه المزروعة بالورود والأشجار الباسقة ، تنظيمه الجيد يبعث في النفس الراحة ، لذا فتاريخه جزء من تاريخي اليومي ، يليق به أجمل القصائد.
أبدأ جولاتي فيه فأتمنى ألا تنتهي أبداً أحس بالفرح وأنا أرى الحي يعود رويداً رويداً بناسه الطيبين ، فأحس أني أمسك بلحظات من طفولتي البعيدة لأجد الزمن الذي تعودت عليه يعود من جديد بشكل يعكس روح شعب محب للحياة بعاداته العفوية وتقاليده المجيدة .
لكن لا يوجد حي من أحياء حمص بشكل خاص ، أو حي من أحياء سورية بشكل عام يخلو من منغصات ومشكلات آنية …إلا أن ذلك لا يجعلك تفتقر للفرح ، بل على العكس تحاول أن ترسي جذور الفرح في أرضك لتستمر حياتك في نفس المكان في بنيان باق أبد الدهر ، لذلك لا أستطيع أن أمنع نفسي من الحلم بلحظات تعود فيها الحياة بشكل عام إلى ما كانت عليه والتي عشناها بحلاوتها ومرارتها .
لنؤكد أن الزمن لن يتوقف عند حادثة مؤلمة هنا أو مشكلة صعبة هناك ولن ينسى المرء حيّه الذي قضى فيه أجمل الذكريات ومن المستحيل أن يسلخها من ذاته ومن روحه لأنه بذلك سوف يسلخ عمره الذي أعطاه معنى للحياة .. ومازال أهله يلهجون بالدعاء أن يمنّ بالفرج على كل أنحاء الوطن الحبيب وما الفرج إلا من عند الله لتهفو نسمة نور واغفاءة هنية تبدأ خلالها رحلة الاعمار ، وإسكات الأوجاع التي ترفض المسكنات المؤقتة لنقطف معاً ثمار الصبر ، مفاتيح للحياة ، ونحاول من جديد أن ندفع المنغصات في مقابر الذاكرة قد لا تسعها القبور.
فنحن شعب مدافع عن الوطن ، مجبول بالكرامة ، سنعود لنزرع الأرض ، ونعمر البيوت المهدمة ، ونخطط للمستقبل الذي ظن أعداؤنا أنهم محوه ، وسنكسر وراء الحزن والهم والأسى ألف جرّة وخابية .
عفاف حلاس