«صدى الأرواح ».. جديد الكاتب عبد الخالق كلاليب

رواية جديدة للكاتب المتألق عبد الخالق كلاليب ، تحمل ماتحمله من عذوبة الكلمات وسلاسة العبارات، تتخللها لغة شفافة تميل إلى فلسفة الحياة والأشخاص .. وطبيعة النفس البشرية ..
رواية «صدى الأرواح « تشكل صدى لذكريات بطلها «حامد» الشخص المريض نفسيا ً في علاقاته المتشابكة مع من حوله من شخصيات يجمعه مع البعض منهم المرض النفسي «الفصام» ، وما يحمله مع البعض الآخر من جروح النفس والحب في مجتمع معقد ، تلعب فيه المستويات الاجتماعية المتفاوتة دورا كبيرا ، قد شكلت حياة بطل الرواية وأوصلته إلى النهاية المأساوية المحتومة لقصة حب غير متكافئة بين الطرفين ..
يدير دفة الرواية طبيب متخصص بالأمراض النفسية والذي حصل على مذكرات البطل في إحدى أدراج مكتبه في منزله الذي هو نفسه منزل بطل القصة «حامد » كانت منسية لسنوات طويلة ، لتجذبه الحكاية ،ويحاول الخوض في معرفة حقيقة مقتل « حامد » والبحث عن القاتل الحقيقي ..
البطل « حامد » يعاني ألما ً نفسيا ً عميقا ً ، قتل وهو في ريعان شبابه ،والمتهم في القضية «سعيد زنزن « صديق حامد في مشفى الأمراض النفسية « حامد » يدون ماكتبه من مذكرات تحت عنوان «التدوينات » وهو لم يحدد تاريخا للأيام التي يكتب فيها ، بل حدد يوم البداية فقط ، كما أنه لم يتقيد بتسلسل زمني فيما يكتبه من حوادث وحكايات وآراء وأقوال ، يختلط بعضها ببعض ، يتقدم ويتأخر في الزمن بشكل عشوائي وغير محدد ..
يمزج ماضيه وحاضره في التدوينة الواحدة ، وربما في الصفحة نفسها .. معتمدا ً في ذلك كله على فلسفة الزمن «سنخترق الزمن ، هذا ما أعتقد أنه سيحصل ، أؤمن بذلك كما آمن فريدريك نيتشة بإنسانه المتفوق ، السوبرمان الذي ابتدعه وصقله أثناء خلواته الطويلة في غابات شمال إيطاليا ..
حياتنا كلها ماض جاثم علينا ويزداد مضيا ً كل لحظة ،ومستقبل مجهول لانعرف عنه شيئا ً ، أين الحاضر إذا ً ؟ إنه لاشيء ، غير موجود ، هو مجرد نقطة واهية لالتقاء خطين ، خط الماضي المبتعد وخط المستقبل المجهول؟» ..
إذن هو يعتبر الحاضر ومضة ، ضائع بين الماضي البعيد والمستقبل المجهول ، نقطة واهنة وضعيفة لاتكاد ترى ، تنتهي عند مولدها ..
والدا حامد تزوجا ،وهما ينتميان إلى طبقتين مختلفتين ، فأبوه فلاح بسيط وأمه تنتمي إلى عائلة إقطاعية لم يستمرا معا ً فحصل الطلاق، ليكون حامد هو الضحية ، وهو المنبوذ من والديه الذين يعتبرانه ذاكرتهم الماضية ، وليكرر حامد قصة والديه إذ يحب « أمل «الفتاة التي تنتمي إلى طبقة أعلى من طبقته في السلم الاجتماعي ، فيدفع حياته ثمنا ً لذلك الحب كما يتضح في نهاية الرواية ، إذ نكتشف من خلال التحقيقات التي أجراها الراوي « الطبيب النفسي « مع حبيبته أمل ومع أخيها فايز ومن ثم مع الممرضة «وداد» أن القاتل هو أخوها « فايز « الذي كان معترضا ً بشدة على علاقة حامد بأخته أمل وعندما اكتشف أنها ستتزوجه سرا ً ورغما ً عن الجميع قتله ..
ليأتي سعيد لزيارة حامد بناء على طلبه فوجده مصابا ً يحتضر ، ومن الطبيعي أن يقترب منه ويتفقده لتتلطخ ثيابه بالدم ..
فايز يقتل وزوج أخته العميد في الشرطة « محسن زكريا» الرجل ذو التاريخ المشرف يتستر على فايز والذي يشكل ذلك التستر النقطة السوداء الوحيدة في حياته ، بسبب حبه المتقد واليائس لامرأة لم تبادله الحب هي أخت « فايز » وحبيبة « حامد » ..
ليعود الكاتب إلى فلسفته المعهودة في الرواية « الحق ، الخير ، الجمال ، المفقودات المطمورة تحت رمال النسيان ، تحت أكوام القذارة البشرية ، تحت أحط الدناءات وأخس الأحاسيس » ..
وفي النهاية يقرر الطبيب الصمت عن نبش الحقيقة حتى لايدمر عائلات بأكملها ، ليحاول أن ينسى الماضي ويبدأ من جديد ليختم روايته :
« كان الهدوء يتسلل إلى نفسي على مهل ، إلى كل شيء فيّ ، إلى أصغر ذرة في جسدي، كماء عذب بارد بحب وكرم إلى شقوق أرض عطشى منذ زمن طويل » ..
إذن يعود الطبيب إلى عمله وعيادته وحياته ويمارس حياته الطبيعية بعيدا ً عن إشكالات الحياة وتعقيداتها ، إذ هو يمتلك هبة عظيمة وهي الحياة وعليه الاهتمام بها .. هذا فقط ما كان يدور في ذهنه في اللحظات الحالية وفي أجواء فلسفية وتعليلات نفسية لطبيعة النفس البشرية في حياة غير مستقرة على الإطلاق ..
عفاف حلاس

المزيد...
آخر الأخبار