لعل ولع أهل حمص بالثقافة والمعرفة قديم جداً قدم المدينة نفسها وهذا الولع بالمعرفة وحب الاطلاع ، ممزوج ، على الأغلب بشيء من الدعابة والفكاهة ولعلنا نستعرض بعض الأحداث الثقافية في تاريخ حمص ، ففيها ما يبهج القلب ويسر السامع .
في خمسينيات القرن الماضي حل الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ضيفاً على حمص ، بدعوة من ” النادي الثقافي ” الذي كان يرأسه المرحوم رياض كلاليب ، وذلك ضمن زيارته لسورية بدعوة من قيادة الجيش للمشاركة في تأبين المرحوم العقيد عدنان المالكي في الذكرى الأولى لاستشهاده . ولكن الجواهري الذي وصل دمشق قبل عدة أيام من موعد الحفل التأبيني ، وجد نفسه في حمص ملبياً دعوتها .. وفي جعبته قصيدته الشهيرة / جمرة الشهداء / وتردد الشاعر / هل يلقي القصيدة في حمص ثم في دمشق ؟!/ وألقاها في حمص وبعدها بيومين في دمشق ومطلعها :
خلفت غاشية الخنوع ورائي
وأتيت أقبس جمرة الشهداء
وخاتمتها:
آمنت إيمان الدماء بنفسها
فأنا الصبيغ بها صباح مساء
وذاعت شهرة القصيدة ، وانتشرت في كل الأقطار العربية ، كما أخبرني الجواهري رحمه الله في إحدى زياراتي له في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ، في منزله بدمشق .
ومن زوار حمص الكبار في عهد الوحدة / الجمهورية العربية المتحدة / المرحوم الدكتور طه حسين ، والذي قال أمام جمع من أدباء حمص ومثقفيها إنه يشعر أنه يزور الإسكندرية أو أسوان .. / فنحن دولة واحدة / , وكلما لفظ الحضور كلمة / حمص / بضم الحاء كان طه حسين يقول لهم الأصح أن تلفظ / حمص / بكسر الحاء لكن بما أنها اسم يمكن لفظها كما تريدون . وهنا انبرى المرحوم رياض كلاليب وقال له / يادكتور طه إن الحسناء يجب ضمها لا كسرها ../ فضحك الزائر الكبير وضحك الحضور .
ومن زوار حمص في عهد الوحدة المرحوم الدكتور الناقد المصري الشهير محمد مندور وزوجته الشاعرة ملك عبد العزيز ، وتبارى شعراء حمص بإلقاء قصائدهم أمامه ، ومنهم المرحوم عبد الباسط الصوفي الذي أعجب مندور بشعره وطلب منه بعض القصائد ليكتب دراسة وافية عن شعره عندما يعود إلى القاهرة مما أثار حسد وغيرة الشعراء الآخرين فاستدرك مندور قائلاً :/ في كل زيارة لي إلى حمص سأتناول بالدراسة شعر واحد منكم ..!!/ فعلق أحدهم بالسؤال / متى يأتي دوري ؟!/ فأجاب الدكتور مندور مازحاً / ليس بعيداً ….بعد عشر سنوات ؟!!/.
وها أنا أجد نفسي أكتب عن تاريخ حمص الثقافي ومشاهيرها وزوارها الكبار ، حمص التي وجدت نفسي فيها قبل عشرين سنة – على مضض – ولكنها استهوتني فأصبحت أُهيم / بضم الهمزة / فيها وقاسمتني عشق القرية التي أبصرت فيها النور وشهدت طفولتي وفتوتي
عيسى إسماعيل