عندما أرسله أهله إلى مصر لدراسة العلوم الشرعية في الأزهر الشريف ،كانوا يريدونه رجل دين وإمام أحد المساجد في حلب الشهباء لكن الشاب الطموح ،المتحمس ،الوطني ،دخل التاريخ من باب واسع ،باب الشهادة في سبيل الدفاع عن كرامة الوطن ،فجلب المجد والفخار ،ليس لأسرته فحسب بل ولوطنه هو سليمان بن محمد أمين الحلبي (1777-1800م)الذي ولد ونشأ في حلب وفي مصر كانت الحملة الفرنسية تعيث فساداً وظلماً وهذا حال المحتل في كل عصر ,يقتلون ويسجنون وينهبون ،وكان “كليبر”الذي قاد الحملة بعد عودة بونابرت إلى فرنسا ،يمثل الطمع والفظاعة الاستعمارية فأراد أن يحتل بلاد الشام لكن غزة أوقفت حملته وانهزم أمام صمود أهلها ,فانعكست هذه الهزيمة شراسة وتنكيلاً بالشعب العربي المصري ,وانتقاماً لكرامة المصريين والعرب صمم الشاب سليمان الحلبي على قتل كليبر ،وراح يرصد تحركاته ،فتسلل إلى حديقة مبنى القيادة ،وكان “كليبر “يمارس رياضة المشي مع أحد ضباطه ،فطعنه الحلبي عدة طعنات أودت بحياته وفر هارباً ,لكن الفرنسيين تمكنوا من القبض عليه وحكموا عليه بحرق يده ثم إعدامه على الخازوق وترك جثته طعاماً للجوارح ,وأخذوا جمجمته فأودعوها في قاعة التشريح في كلية الطب في جامعة باريس ,واحتفظوا بهيكله العظمي في حديقة الحيوانات في أحد أحياء باريس أما خنجره الذي استخدمه في العملية فهو في متحف /كاركاسون /,وهناك تعاريف لهذه الأشياء العائدة للحلبي تصفه بالمجرم والقاتل ….!!
وبعد سليمان الحلبي الذي نفذ عمليته البطولية في الرابع عشر من حزيران عام 1800م ،بمئة وستة وخمسين عاماً ،قام الضابط العربي السوري البحري الذي يدرس في الأكاديمية العسكرية البحرية المصرية بالثأر من العدوان الثلاثي (1956)ونفذ عملية فدائية ففجر زورقه بأحدث سفينة حربية فرنسية (جان بارت) فأغرقها بمن فيها ،وهذا الحدث عجل بانسحاب قوات التحالف الثلاثي العدواني (فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني ).
ولد جول جمال في قرية المشتاية في حمص عام 1932 وأوفد إلى مصر ليصبح ضابطاً بحرياً، قبل عقد من الزمن ،قام عدد من المواطنين السوريين بتوقيع عريضة موجهة للحكومة الفرنسية تطالب بإعادة الجمجمة والهيكل العظمي والخنجر التي تعود للبطل الشهيد سليمان الحلبي ، وفي حال رفض الفرنسيون ذلك يجب إعادة الاعتبار من قبلهم للحلبي باعتباره شهيداً مدافعاً عن أرضه ضد المحتل الفرنسي .
غير أن الخارجية الفرنسية لم ترد على العريضة وتجاهلتها تماماً ..
والسؤال: هل يأتي وقت نرى فيه بقايا جسد الحلبي في المتحف الوطني ونكتب إنها لبطل عربي سوري رمز للكفاح والتضحية .
شهيدان عربيان سوريان ،بطلان ،أهدتهما سورية لمصر ليتنا عندما تمر ذكراهما ،نسلط الضوء على حدثين مجيدين في تاريخ أمتنا العربية ،نستمد من ذكراهما الفخر والعبرة .
المجد والخلود للشهيدين سليمان الحلبي وجول جمال .
عيسى إسماعيل