قال لي صديق العمر، وعلى وجهه مسحة من أسىً غامر: «ياصديقي أكاد أصل على حدّ اليأس».
قلت :« مِمَّ»؟
قال :« من كلّ مايحيط بي، حتى لأشعر في بعض الأحيان أنّني في عالَم غير الذي عشتُه من قبْل، ولا سيّما فيما يتعلّق بالأخلاق الغالبة على أبناء هذا الزمن، فقد انتفتْ إلى حدّ كبير المعاملات الطيّبة بين النّاس تجاه بعضهم بعضا، فلا الصغير يحترم الكبير، ولا الغنيّ يعطف على الفقير، وغابتْ معظم تلك القيَم التي نشأنا عليها، ورضعنا من لبانها».
قلت:« معك حقّ فيما أشرتَ إليه..».
قاطعني : هل يُعقَل أنّ كل هذا كان ناتج الحرب التي أدبرتْ بمقدار كبير»؟
قلت: الحروب بعامّة تكشف أسوأ مافي المجتمعات، كما أنّها(قد) تُظهِر أنبلَ وأجود مافيها، والمسألة ليست ذات وجه واحد، وهنا لابدّ من التنبّه إلى أنّ هذا الانقلاب الذي تتحدّث عنه، ليس كلّه ناتج الحرب، بل بعضه كان يتمدّد في ذواتنا، وفي مجتمعاتنا، ويتسلّل بخُبث فظيع، وقد رُسِمتْ خططه وأُحكِمت من قبل دوائر الاستخبارات الغربيّة المتصهينة، وساندهم بقوّة مال أعراب الخليج، ولو لم يجدوا منفذاً قد أعدّوه، لما تمكّنوا من إشعال نيران تلك الحرائق، ولا تركوا هذا الكمّ الهائل من الدّمار فوق الأرض، وفي النفوس الضعيفة، هذا وجه، أمّا الوجه الآخر فهو تلك البسالة التي أظهرها مقاتلونا الشجعان، وهنا لانعدو الحقيقة حين نقول إنّ ذلك الصمود قد فاجأ العدوّ قبل الصديق، ولستُ أتغنّى بذلك لمجرّد الاستعراض بل لأشير إلى أنّ قوّة الرفض الكامنة للمشاريع المتصهينة، ولاستعباد الإنسان، كانت أقوى من كلّ تلك الخطط، وها هو صمودنا، ببعض نتائجه التي لاجدال فيها يحيّر الكثيرين من أصحاب الأدمغة الموصوفة بالتفكير».
قاطعني :« ولكنْ ماالنتيجة، هاأنا أقول لك ماأشعر به، وأنا الذي لم أتزحزح قيد أُنملة عن الولاء للوطن والعدالة الاجتماعيّة، أكاد أشعر أنّ المظاهر السلبيّة التي تطالعنا في كلّ مكان في ازدياد ؟!!
قلت:« وأنت على حقّ في هذه أيضا، لاسيّما وأنّنا في مواجهة جديدة، هي ماتفعله أمريكا وعملاؤها في المنطقة من حصار ظالم، وسيكون طويل الأمد بعد أن نفضوا أيديهم من الحلّ العسكريّ، وقد شاهدتُ بعيني آثار الحصار الذي ضربوه على العراق قبل غزوه..»
قاطعني :« هل تلمّح إلى أنّهم قد يغزوننا كما غزوا العراق»؟
قلت: « لا، هم غزو العراق يوم لم يكن في العالم إلاّ قطبا واحداً، الأمر الآن مختلف كثيرا، ولكنْ دعني أشير إلى الحصار الذي ضربوه على إيران منذ أربعين سنة، ماذا فعل بإيران؟ لقد اعتمد الايرانيّون على تماسكهم، وعلى البدائل التي ابتكروها، فانظر أين هم الآن، ورغم قسوة مانجابهه من شؤون الحياة، ولا أقلّل من ألمها، أقول لابدّ من الاعتماد على الطاقات الكامنة، وهي ليست قليلة، ولا بدّ من البحث عن الوسائل التي تُطلقها من عقالها..».
قاطعني منفعلا: « هنا المشكلة الآن»
قلت:« أنا أرى ماتراه، ولكنّي أحدس أنّ هذا لابدّ قادم، وليس ثمّة خيارات أخرى»
قال : « وهذا التردّي الأخلاقي الذي يواجهنا في كلّ مكان»؟!
قلت: لا بدّ من استنهاض أخلاقيّ، عميق، واع، اجتماعيّ، عام، بعيدا عن كلّ أنواع التعصب الأعمى …
عبد الكريم النّاعم