همست في أذني عبر الهاتف : كيف تفتح نافذة على – شفيق معلوف- وتستحضره من ذاكرتك، وتنسى شقيقه الأديب الألمعي- فوزي – ؟! قلت: والله لم يغب عن ذاكرتي أبدا ً ولكن آل المعلوف يشكلون دوحة أدبية فيها أشجار باسقة من الأب العلامة : عيسى اسكندر المعلوف ، عضو مجمع اللغة العربية في دمشق في النصف الأول من القرن العشرين وامتدادا ً إلى أولاده: شفيق وفوزي ورياض وتمتد دوحة آل المعلوف لتشمل : جميل وجورج وميشال وفي عصرنا الروائي الكاتب بالفرنسية : أمين
أما فوزي فقد ازددت اهتماما ً به منذ قرأت ماكتبه الدكتور طه حسين ومنه: « لو فسح لفوزي في العمر لكان له شأن أي شأن في أدبنا العربي».
ومعروف أن شهادة طه حسين كانت ذات أهمية كبيرة .
وفوزي فرع باسق من الدوحة المعلوفية الزحلاوية أينع باكراً وصوح وذبل في ريعان الربيع ،وكأن قدره أن يمر بالحياة راكباً – بساط الريح- مستعجلا ً الوصول إلى الملأ الأعلى ، ولو لم يكتب الشعر لكفاه أنه كتب هذه الملحمة الشعرية – على بساط الريح- بعد سفر قصير في طائرة صغيرة ، ولكن خياله الشعري وعبقريته الفكرية فعلتا فعلهما في إبداع رائعة من روائع شعرنا العربي المعاصر، فانظر كيف وصف الطائرة:
حمحمت تضرب الريح بنعليها فشقت إلى السماء سبيلا
ترتدي من دخانها بردة الليل وتلقي عن منكبيها الأصيلا
وعليها من الشرار نجوم عقدت حول رأسها إكليلا
وهذه الملحمة هي الأكثر خلودا ً من أدب فوزي معلوف، لأنها جمعت سمو الخيال إلى سمو الهدف وروعة الشعر، وقد ترجمت إلى سبع من اللغات الحية .
وقد كتب أمير شعراء الإسبان: فرنسيسكو فيلاسباسا، في مقدمة كتبها لهذه الملحمة : « في وسط مايصم الآذان من جعجعة الهذيان الأدبي وما حوى من مساخر كمساخر المرافع ومن توافه كتوافه الصور المشبحة ، يتصاعد من الشرق صوت رخيم هادىء، يسكت إلى لحظة تلك الحناجر الثرثارة المعربدة حاملا إلينا بألحانه بلاغا ً من عالم الشموس نفضت عليه الشمس شعاعها، إن موازنة الشاعر فوزي لم تختل بسبب هذا التصادم بين عالمين متعاكسين، بل استطاع أن يبدع أروع مافي الشرق من جمال وقوة وخيال ، وفوزي علق ربابته على صفصافة لتعزف على هوى الريح ناطقة بما في لغة الطبيعة من نبرات خفية.
وقد سررت عندما زرت مدينة زحلة في منتصف سبعينيات القرن الماضي ورأيت تمثالا ً نصفيا ً من النحاس ينتصب في حديقة عامة ،تخليدا ً لذكرى شاعر عبقري .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...