كل ما في الطفولة جميل .. حديثهم .. براءتهم .. ألعابهم .. أراجيحهم كم نسعد بهم ونفرح لفرحهم ونتألم لألمهم وما أحلاهم وما أروعهم . هم بسمة الحياة وشلّال الأمل الدافق ووعد الوطن الأخضر ومستقبله الزاهر .. وفجره الساطع نوراً وألقاً وأملاً وحياة، في حديثهم العذب نجد السعادة والبساطة والطهر .. والصدق والطمأنينة . يتفوهون بما يحسون ويشعرون به بكل صدق .. لا يعرفون الغش والخداع والحقد .. إنهم فلذات أكبادنا وأفراحنا ومنارات أوطاننا التي تنير دروب التائهين وشعلة المجد والبناء والعطاء التي لا تنطفىء أبداً .
ما أريد أن أذكره في مقالتي هذه .. حادثة طفلية جميلة جعلتني أفكر كثيراً وأحس أنه طالما في أوطاننا مثل هؤلاء الأطفال فالوطن بألف خير وسيبقى شامخاً بحبهم .. الطفل ( شادي ) ابن الأربع سنوات .. الطفل الوسيم الجميل الذكي اللبيب جارنا في البناية التي نسكنها والذي يقضي وقته موزعاً بين بيتنا وبيت أهله .. وبوجوده نشعر بسعادة وفرح وبذكائه نفخر . فمنذ أيام روت لي زوجتي حديثه العذب الذي لا يمكن أن يتصور أنه يصدر عن طفل في هذه السن .. قالت لي كنا في سهرة عند بيت أهله .. ودار حديث بينه وبين جدته التي تحبه كثيراً .. ويحبها .. قالت له يا شادي يا حبيبي سأعمل لك معطفاً شتوياً جميلاً من صنع يدي ( بالسنارة ) فما تريد لونه؟ وما تحب من الألوان له .
فأجاب جدته: سأختار اللون الأحمر الزاهي لأنه لون الشهيد، عندها ساد الجلسة صمت حزين وأصر على طلبه .. والكل مذهول بإجابة الطفل المذهلة .. وبالمناسبة منذ فترة ليست ببعيدة استشهد قريب له ابن عم أبيه .. وهو ضابط شاب عندما كان يلاحق فلول الإرهابيين في ( تلول الصفا) بالسويداء وشاهد بأم عينه مراسم العزاء .. وكان يسمع كلمات الشهادة .. والشهيد .. والتمجيد له .. فعلق بذهنه هذا الحديث الذي جسده سلوكاً طفلياً رائعاً لحب الشهيد وعظمته وثمة إحساس يساوره نحوه واحتل بعداً نفسياً عميقاً لديه ظهر جلياً واضحاً في اختياره للون الأحمر لمعطفه … هذه الحادثة جعلتني أعود إلى براءة أطفالنا وصدق مشاعرهم .. الذين يحسون ويشعرون بالواقع الحياتي لهم في ظروف صعبة كابدوا فيها ولاقوا كثيراً من الآلام والأحزان والإرهاب الظلامي .. فظهر في كلامهم ونطقوا به صادقاً .
وقفت عند هذه الحادثة .. وتذكرت الشهادة والشهداء أولئك الذين اختاروا طريق التضحية والنصر .. من أجل أن يبقى الوطن مناراً بدمائهم الزكية العطرة التي تزهر نصراً وفرحاً وأماناً وسلاماً . والذين أعادوا لأطفالنا وأجيالنا وأهلنا ابتسامتهم المسروقة التي اغتالها الإرهاب لسنوات .. وهاهم اليوم ينعمون في وطن آمن أخضر .. وحياة هانئة .
شهداؤنا الأبرار أنتم سياج الوطن ودرعه القوي .. سنكتب على وسائد أطفالنا الذين أحبوكم وافتخروا بكم أسماءكم بلون الدم يا من كنتم الفرح والضياء والأمن لهم .. أنتم باقون في ذاكرة أطفالنا وأجيالنا .. ولن ينسوكم أبداً . وأنت يا ( شادي ) الصغير الحبيب سنفخر بك جميعاً ويفخر الوطن كله بما تكلمت .. وأحسست … يا عزيزي الصغير لا نريد لك الحزن.. ولا يليق بطفولتك الجميلة وسنحيله إلى فرح دائم تحقق بفضل الشهيد .. ستزهر دماؤهم ربيعاً سباقاً بورود زاهية مختلفة الألوان تنبت في دروبنا قناديل نصر .. وبيادر أفراح وأراجيح طفولة .
برهان الشليل