كثيرة ، هي المصطلحات التي تستجد في الواقع الحياتي المعيش ، التي هي صدى لتفاصيلَ ، قوامها تأثر وتأثير ، وأنماط سلوكية ، وقراءات تحليلية تترافد في ما بينها لتأتي بجديد . وما “الربط الخيالي ” إلا دلالة مصطلح لما يعتري الجانب السلوكي ترجمة لوهن انفعالي رغائبي يشكو أمية عاطفية في معطى معرفي تمثل فهم أوسع ، وثقة بالذات في توكيد حضورها بشكل أدق . ولا شك أن حرج الذات أمام وهنها في مقاربة رغائبها ،وتجسيد انفعالاتها تحقيقا لمغانمَ بأيسر السبل يدفعها عبر سلوك صاحبها إلى تمثيل الصداقة عبر تقمص عاطفي ، لتبدو الصداقة – شكلا – شلال دافق ، أنها طاقة سلبية محوِّلة نعمة الذكاء إلى نقمة خبث متوهمة شطارة في بلوغ كسبا لما هو محط غاية ، ومدى فرصة الاتساع بها لوكَ مفرداتٍ ، وتنفيس انفعال ، أو إطراء ، إن لم تجد تلك السلوكية صدى لصاحبها أذنا ، فتنتقل من لون إلى غيره ، ما بين ذم إلى مدح … وغالبا يكون الصمت معيارا لمزيد من حصيلة زاد لها توظّفها في مقتضى حال آخر بحثا عن أكثر من حضور في أكثر من حيز . لكن هذه الصداقة الدافقة شكلا في عاطفة مشبوبة ، هي خاوية مضمونا كأنها حطب رطب ، لأنها تتراءى علاقة تُحزن الصداقة ، وتؤلم منطق الصدق قيمة سامية ، وحتى لا يكون الفعل في الصداقة موجعا واقع حال : “فالصداقة مهارة تنمو في رحاب الأسرة مفردات ومحاكاة منذ خمس السنوات الأولى ، وتتساوق معارف وخبرات ، وسعة ثقافة وحذاقة مهارة لغنى نفس عبر ذكاء إنساني ناضج راق ، تصقلها الخبرات والتجارب وجماليات السلوك الأبهى لقاء صديق بصديق وإنسان بحفاوة منظومات أخلاقية تربوية ثقافية ومهارات حياتية. هي وعي الجمال في فرح التواصل ، ولقاء الضمائر ، واغتباط السعادة خيرا على خير . فتكون الصداقة صدق قوة المرء بذاته وأهله أناسا في مضمار الحياة ، وذاكرة الزمن ، إذ بذلك لا وجود ” لربط خيالي ” في الصداقة ، بل تكون الصداقة . هذه القيمة إرادة السمو في ركاز الساميات قيما ، وفي التراث الإنساني كائنة عراقة حضارات ، وتواصل وجود إنساني ، ففي بلاد الرافدين ملحمة /جلجامش / أوديسة ما بين النهرين نجد مكانة لصديق ، وقيمة للصداقة ما بين / جلجامش وأنكيدو/ وكيف اختبر جلجامش الموت ، إذ لم يعِ بطل الملحمة جلجامش فكرة الموت كحقيقة مطلقة ، إلا بعد موت صديقه / أنكيدو / إنها الصداقة ، ومكانة الصديق ، ومأساة الفقد ! وفي كتاب / الأدب الكبير / لابن المقفع مخزون تربوي مهاري لمعنى الصداقة وقيمة الأصدقاء ، وغنى المرء بهم :” اعلم أن إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا ..” والمكتبة العربية زاخرة بتليد وطريف في هذا المجال التربوي المعرفي الإنساني . ولا تخلو كتب الأمثال من فيض من هذا الجانب الإنساني الذي يتشاطره وعي قيمة ، وسلوك بأداء وسردية حياة من خبرات وتجارب وحكايات وقصص.
إن الصداقة في ماهيتها تعاطف متبادل ، ووشائج ود ومحبة وفضيلة إنسانية ترقى بصاحبها سلوكا يفصح عن ثقة بالنفس وبراعة في الاستيعاب ، ونضج عاطفي في التواصل ، ولا سيما عندما تتحول الصداقة بين الأصدقاء إلى فكرة متأصلة مشبعة بزمالة المصير ، ونبالة الفعل في حقول الوعي المعرفي ، ومواقف حياتية تؤكد مقارنة التعاضد البناء فلسفة حياة ومسؤولية واجب ، وبلاغة تقدير متبادل محكم النسج معنى ومبنى تؤكده جزئيات الحياة وجدانا وعقلا حقيقة واقع معيش ، لا توهم ” ربط خيالي ” ، نسجه أوهام مبعثرة مآلها أحضان الريح.
إنها الصداقة نبالة بناء إنساني يتجاوز الجانب الانطباعي التأثري الذي نراه مبثوثا في النثر والشعر على غناه وجماله وأثره فينا، لكن الصداقة في وعي الدراسات والبحوث وميدان علم النفس الاجتماعي وعلم النفس النمائي الارتقائي هي إدراك في رزانة العقل ، وجمال الضمير ، و رقي السلوك معطى تربوي ينهض به كل فضاء رحب .
نزار بدّور ..