إن اللغة انتماء وتنمية واللغة كائن حي , والإنسان كائن لغوي فالتمكين للغة العربية نبالة أصالة في حمية الوجدان العربي الأصيل لمكانة الأمة عبر عراقة حضورها في مسار الركب الحضاري ضمن توكيد كينونتها في تحصين لسانها وحصانته في معمارية طبيعتها , وحيثيات دقائق غناها أساليبَ علمية و أدبية و إنشائية وخبرية في معطى البلاغة , وسعتها وآخر في علم المعاني و غيره في علم البديع , وعلى ثراء بنيتها تراها أنساقاً نحوية ودلالية وصرفية ولسانية ومعجمية أيضاً .
وفي الآفاق الرحبة تاريخ ما بين ثنائية عقل حصيف مبدع ووجدان طافح بأحاسيس ومشاعر وفيض انفعالات وفق مدارك نابغة في الفهم والاستيعاب والتذوق وغنى المعارف والخبرات والتجارب لتأتي اللغة وعاء للفكر وحاملاً موضوعياً لنزوع الذات مغرقة في الذاتية والفردية والغنائية من جانب , والمنضدة بكبرياء التفكير الوثاب في كل سبق ومضمار عبر رواد استكشفوا عراقتها حرفاً له قيمة تعبيرية ودلالية وبعداً صوتياً في مقاربة مهاد النفس وتدرجات تألق الفطنة في مكارم كل نبوغ , فجاءت اللغة العربية زاداً للعربي في أصالة كل تفكير وبهاء كل إبداع ونضارة كل ابتكار في دنيا العلوم والمعارف وفضاء الخبرات والتجارب , وسعة التقانة والتدفق المعرفي ووسائط التواصل وعبقريات الدراسات والبحوث و إشراقات القوافي قصائد متبرعمة الأزرار لتتفتح أكمام ورود في شهقات تجليات الروح وأغوار النفس واصطلاء المشاعر في تنانير اللهفات صوب كل قافية شرود , لها المدى كل موضوع , والحسن كل قمر , والبهاء شذرات نور على وجنات أيقونة في سجايا مثل و ألق جمال في صقيل حرف يصير كلمة وبها قلائد من جمان عبارات سرح تعبير في خصوصية الذات ارتعاشات مضامين في محيا همس شفيف تأنس بها النسمات , وتستعذبه أرواح الصبا في هدوة الأصباح والغُدا ما بين عتبات سفوح ومنحنيات وجدان وتأمل عقل وتدبر حال أو موضوعية الحرف علماً وعلوماً غنى الدهور وتعاقب البشر والقادمات تباشير حياة , مداها عوالم إنجازات وذراري و أبناء و أحفاد . هي لغتنا العربية باشتقاقاتها وتفرد دلالة كل كلمة بها لكأنها زجاجة عطر تنفرد بذاتها عن غيرها هي القافية شعراً لمعلقات . وهي « خالقة وعبس , عش أنت , هذه ليلتي وقارئة الفنجان و الأطلال و جبهة المجد ..» والروايات والقصص قصص العرب وكتب الأمثال والمعاجم والدراسات والأبحاث والمواقف المبدئية لشرفاء الأمة في وعي القرارات السِداد في حصافة القول , وفصل الخطاب ورسم معالم الشهامة وكبرياء الانتصارات من أبجدية الحرف في أوغاريت إلى ذرا الطود الأشم فقاسيون وتدفاق بردى والفرات وسنابل القمح .. وفلسطين وبلاد العرب أوطاني .. هي هذا الحضور المكين لعباقرة عاشوا الحياة وعي القول والعاطفة والعقل والوجدان وفعل المقاومة في شهامة الشرف الرفيع فجاءت لغتنا العربية لغة هذا التاريخ المتعاقب والحاضر المشرف والمستقبل الواعد في الشعر والنثر والخطابة والبلاغة والخبرات والمهارات والعلوم والفن والثقافة هي لغتنا سعة الحياة ,إنها نحن انتماء الأصالة والهوية في المواطنة والانتماء القومي العربي الأصيل المبارك بنعيم القيم السامية للغة وقد توجت بالكتاب الكريم لتغدو لغة أساساً في العراقة والحضارة ما بين أصالة ومعاصرة ولتكون مرتكزاً من مرتكزات اللغات العالمية المعتمدة محققة إنتاج علوم لخير الإنسان والبشرية والحضارة جمعاء . هي لغتنا الحاضرة على شعاع الضوء عبقريات وطاقة تفاعل خلاق والناهضة شموخ تحديات في وجه لهجات واستبداد واستعمار وغزو ثقافي وعولمة مسيسة وحتمية تكنولوجية ومصطلحات وافدة وصناعات وتقانة وسائط جديدة ومحاولات تهويد .. لكنها البحر في اتساعها يكمن الدر . إنها لغتنا العربية الكامنة رابطة تؤلف بيننا وهي مسؤوليتنا جميعاً في تعزيزها إدراكا ً لقواعدها وتذوقاً لأساليبها و إبداعاً فيها وحسن استخدام لها واقعاً ميدانياً تطبيقياً في حياتنا الخاصة والعامة . هذه اللغة أمانة قيمها في مؤسساتنا ومنشآتنا ولا سيما التعليمية والإعلامية والباحثين فيها وعنها . ولقد جاء التمكين للغة العربية من خدر الأصالة انبلاج صبح وضاء على جبين شهامة الحرف وبراعة التأصل وسمو الهدف ورقي الإدراك لمكانة اللغة اللسان في معنى وجودها وجوداً للإنسان والوطن والحضارة فقد جاء في خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد : « .. لقد أعطينا في سورية اللغة العربية كل الاهتمام وتبوأت موقعاً معرفياً منيعاً في حياتنا الثقافية منذ وقت مبكر .. ومطلوب منا اليوم استكمال جهودنا للنهوض بها , ولا سيما في هذه المرحلة التي يتعرض فيها وجودنا القومي لمحاولات طمس هويته ومكوناته ..
نزار بدّور