قصة قصيرة…بيت علوان الجديد ….!!

عندما جاءت الشرطة لتأخذ علوان ، قامت قيامة ضحى ، زوجته ، محاولة منعهم . غير أن المختار ولجنة الحي نصحوها ألا تتدخل والمختار ذو الشاربين المعقوفين يلتهم ضحى بعينيه الفارغتين ..!!
كان ولداه يقيمان ، منذ سنوات ، بعيداً عنه . أحدهما يعمل في لبنان والآخر موظف حكومي في القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من البلد . وعلى الرغم ، والحق يقال من محاولات ابنه هذا أن يقنع أباه وأمه بالإقامة معه والقول إن القامشلي مدينة جميلة وأهلها ناس طيبون جداً ، غير أن علوان اعتاد أن يقول « لن أبرح بيتي إلا إلى نجها « والمقصود مقبرة نجها الحديثة .
غير أن الأيام الجميلة لا تدوم ، كما تقول الحكايات . فقد علوان حياته في حانوته يصلح مواقد الغاز ومدافىء المازوت بعدما اعتاد لسنوات أن يصلح مواقد الكاز ومدافىء الحطب ، المهنة التي انقرضت فتعلم إصلاح مواقد الغاز ومدافىء المازوت ..وكان « أكثر الزبائن » يأتونه من حارات دمشق ، بعدما انتشر صيته وأمانته . غير أن « دوام الحال من المحال » كما تقول الحكايات أيضاً . فقد جاء ذات يوم شرطي البلدية ليخبره أن عليه إخلاء المنزل لأن البلدية سوف تعمل على توسيع الشارع وهذا يعني أن بيوتاً كثيرة سوف تزال لصالح المشروع . فغر علوان فاه وجحظت عيناه ، وهو ينظر الى الشرطي تارة ، وإلى الورقة التي عليها أن يبصم عليها إشعاراً بالتبليغ وعندما وجد صوته صرخ علوان « لن أوقع » . بعدما انقضت فترة الإنذار ، أضحت البيوت المطلة على الشارع فارغة يصفر الهواء فيها ، عدا بيت علوان . غير أنه اضطر أمام زحف الآليات وحضور الشرطة . إلى إخلاء المنزل الى بيت مستأجر في أطراف الحي .
لم يعد يعمل شيئاً يشعر أنه يكاد أن يختنق ، وأن قلبه على وشك التوقف عن النبض وبدل أن يعطي ولديه شيئاً من المال ، أصبح يأخذ منهما مصروفه ومصروف زوجته وأجرة المنزل . تدهورت صحته .. وتغير سلوكه يتحدث إلى نفسه .. يصرخ .. يشتم .. وذات ظهيرة ألقى نفسه وسط الشارع .. ولولا انتباه السائق لدهسه ، فقد استطاع أن يوقف السيارة في اللحظة المناسبة بعدما لامس دولابها جسد علوان في محاولة الانتحار الثانية صعد علوان الى بناء عال قيد الانجاز وسط المدينة معلناً أنه يريد أن يلقي بنفسه الى أسفل.. وبعد دقائق كانت جمهرة من الناس تنظر الى أعلى حيث رجل يريد أن يرمي نفسه .. تجمعت سيارات النجدة وسيارة اسعاف وثمة عبارة يتداولها الناس « مجنون .. مجنون.. إنه مجنون .. الله يثبت علينا العقل ..» عندما خاطبه ضابط من شرطة النجدة ، عبر مكبر يدوي للصوت بالقول « أرجوك لا ترم نفسك.. ..!!» ووسط دهشة الناس ، نزل علوان الى الشارع ، معلناً استجابته للنداء شريطة أن تسرع المحافظة في تسليمه المنزل الموعود بدل منزله الذي هدم. أصبحت قصة محاولة انتحار علوان مادة للصحافة ، ففي اليوم التالي كانت العناوين في صفحات الحوادث « أراد أن ينتحر بإلقاء نفسه من برج الفردوس قيد الانجاز .. مشاكل عائلية وراء محاولة انتحار رجل ستيني .. تشاجر مع زوجته فأراد التخلص من الحياة .. ضابط نجدة استطاع إقناعه بتأجيل الانتحار …!!» تمضي السيارة باتجاه الشرق .. ثمة رجل موثق اليدين يجلس في المقعد الخلفي بين شرطيين … بين حين وآخر يسأل علوان : -» ذاهبون لتسلموني بيتي الجديد أليس كذلك ؟!» يرد أحدهم : – « أكيد .. إلى بيتك الجديد ..!!»
يفتح الحارس الباب .. تندفع السيارة نحو الداخل في ممر تحيط به الأشجار تتوقف امام بناء كبير تعلوه يافطة تقول « مشفى ابن سينا للأمراض العقلية يرحب بكم …!1»
عيسى اسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار