بعيدا عن تعريف معاجم اللغة للفظة الثقافة وعن التعريفات الأكاديمية لها فالثقافة هي وبكل بساطة أن يقرأ الإنسان ويتعلم وأن يكون قادرا على تشكيل ملكة معرفية يستطيع من خلالها فهم الحياة بعناوينها المختلفة ومراحلها العمرية ، وهذه الملكة تبدأ منذ أن يصبح الإنسان قادرا على التعرف على الأشياء من حوله أي تصبح حالة الوعي والمعرفة حالة تراكمية تزداد مع تقدم العمر وسعي الإنسان لزيادتها من خلال رغبته بالأمر ، والمعرفة يمكن أن يكون لها عدة مصادر ومنها العلوم النظرية التي تزخر بها المناهج التعليمية المتدرجة صعودا في تقديم معارفها منذ مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي وحتى المراحل العلمية العليا والتخصص فيها ومن مصادر المعرفة و التعلم حياة الإنسان نفسها وما يجري عليه فيها من قضايا حياتية يتعلم منها أي من تجاربه فيها وكذلك من تجارب الآخرين وخبراتهم وهو ما يمكن أن نطلق عليه مدرسة الحياة وكل تلك المعارف أيا كانت مصادرها يتم تعلمها عن طريق الأذن والعين أي عن طريق السمع والنظر وهذا هو حال تعلم المعارف الإنسانية لكل الشعوب وعندما نعود لتاريخ تشكل الثقافة العربية نجد أنها تشكلت وتم تجميعها من خلال الفعل السماعي وتدوينه وتخزينه في الذاكرة وعبر الحفظ السماعي لإيصاله للآخرين عبر استرجاعه من الذاكرة وعن طريق الصوت وهذا الأمر كان يتم قبل الإسلام والنهضة الفكرية والمعرفية التي جاء بها القرآن الكريم ومن ثم حض على تعلم الكتابة والقراءة ، فقد كان العهد الشعري العربي بشكل عام والقبلي بشكل خاص الذي سمّي ديوان العرب واشتهرت في ذلك العصر قصائد فحول الشعراء والتي سميت بالمعلقات ووقتها لم يكن هناك اهتمام بالكتابة والقراءة لأنها كانت تحتاج إلى حالة مدنية مستقرة بينما كان الترحال ديدن القبائل وشغلها الشاغل بحثا عن الكلأ والماء، فقد كان كل ما يجري على ساحة الوعي يدون سماعيا وعلى الأذن أن تجيد السماع والتقاط دقائق الأمور وأن تسجلها في الذاكرة وتجيد إعادتها عند الإلقاء وكلنا يعرف كم كان اهتمام العرب باللغة الفصيحة التي لا تقبل اللحن فيها ، بعد ذلك جاء حفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وتم تناقلهم بين الأجيال فتشكلت ثقافة عربية اشترك في تكوينها الشعر والقرآن والحديث ، ثم انتقلت الأجيال اللاحقة بعد انتشار الكتابة إلى تحصيل الفعل الثقافي عن طريق الأذن والعين معا وأصبحت وسائل التثقيف مسموعة ومقروءة ومرئية وأصبح الإعلام المرئي أهم وسائل إيصال الرسائل الثقافية حتى أن الدول الاستعمارية اعتمدت عليها لغزو الشعوب وتهميشها وتفكيكها وهذا ما فعله الصهاينة والدوائر الغربية من أجل إيجاد ثقافات تخدم مشاريعهم الاستيطانية والاستعمارية من أجل تسطيح الذهن العربي وفصله عن ماضيه لتكون اهتماماته آنية وغير قادرة على الحفاظ على الإرث الثقافي العربي الذي تضرب جذوره عميقا في التاريخ وكي لا يكون لديه رؤى مستقبلية يمكن أن تكون جدارا صلبا لا يمكن أن تخترقه كل موجات الغزو وبكافة أشكالها .
إن حاجتنا لتخصيص الكثير من الوقت والجهد لثقافة العين كبيرة جدا خاصة بعد الثورة الالكترونية التي أصبحت لغة العصر ومن الواقع العربي الذي نعيشه الآن نعرف كم اعتمد الإعلام المعادي على الصورة المرئية لتحقيق ما يطمح إليه فهل من صحوة عربية قبل فوات الآوان .؟
شلاش الضاهر