الحديث عن الثقافة حديث ذو شجون ، وهي تندرج في إطار التراجع الذي اصاب الحياة بشكل عام ، والثقافة بوجه أكثر تحديداَ ، وهو ما يستوجب التوقف عنده ، ومعرفة أسبابه ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها ، وفي تحديد ذلك أفليس من المحزن أن حضور أي نشاط ثقافي يقتصر على عدد محدود من الأشخاص لا يتجاوز عدد أصابع اليدين مع ملاحظة أن هذا الحضور لا يمكن أن يعد جمهوراً بالمعنى الحرفي للكلمة ، وإنما هو حضور مرتبط بدواعي العلاقات الاجتماعية ، أو علاقات التراتبية الوظيفية ، فيما يبدو العنصرالثالث ، وهم المتقاعدون ممن يجدون متنفساً لهم في هذا الحضور ، ومن هنا فالحضور الثقافي يبدو غائباً في الحقيقة ، وأود أن الفت الانتباه في هذا المجال إلى أننا في مدينة حمص التي تعدُّ مدينة الشعر والأدب منذ ديك جنها نبدو غير قادرين على تحقيق حضور جماهيري مميز إذا استثنينا المهرجانات واللقاءات التي غالباً ما تتخذ الطابع الاحتفائي ، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يتم تجميع الجهود الثقافية كلها ، وتتوحد جميع الفعاليات بما أن الهدف للجميع هو الثقافة ؟!، وإذا كنت ممن يؤمن بالتنوع إلا أن هذا التنوع لن يتغير في الإطار الجماعي ، ومن ذلك أذكر أن ثمة هيئة كانت تسمى جمعية أصدقاء المركز الثقافي التي يمكن تفعيل عملها بما يحقق للحضور كثافة نوعية وكمية ، ونحن بحاجة إلى الكم ، لأن الكم هو ما يحقق اصطفاء الكيف منه ، كما أن السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه أية فائدة يمكن تحقيقها إذا لم تحقق التجمعات الثقافية أهدافها في إعادة الوعي للمجتمع ، وجعل الثقافة الحصن المنيع الذي يمكن أن يتحصن فيه الجيل الجديد في ظل الغزو الثقافي الذي يخترق الجميع وفي عقر بيوتهم ؟!
ولماذا لا تنصب الجهود على تشكيل وحدة ثقافية بين جميع هذه الأنشطة التي تقوم بها المؤسسات الرسمية والأهلية فيما يحقق تميزاً للعمل الثقافي ، وحضوراً أكثر كماً وكيفاً .
إننا بحاجة إلى إعادة رسم هياكل الثقافة التي لا بد أن يعي فيها المسؤول قبل المتابع أنها مسؤولية وطنية وممارسة أخلاقية قبل أن تكون ذات مناصبية أو مكاسب أخرى ، وفي هذا الإطار لا بد من إعادة توجيه بوصلة الجيل إلى الثقافة والفكر، ونحن نعيد إعمار البلد ، إذ تبدو إعادة إعمار البشر هي المسألة الأكثر أهمية في هذا الوقت الذي تعلو فيه التحديات للوطن وإنسانية الإنسان فيه ، ولذلك لا بد أن يكون للمؤسسة التعليمية دورها الحقيقي الذي لا ينبغي أن ينحصر في إطار الاحتفالية والمناسبات ، بل أن يكون الفعل الثقافي جزءاً مهماً من استراتيجية تتوجه نحو الجيل ، إذ يمكن أن يكون حضور النشاطات الثقافية جزءاً من دوام الطالب فيما يخص طلاب الآداب تحديداً كبديل لهم عن الجانب العملي الذي يلزمهم الحضور الفعلي فيما يعرف بـ (حلقات البحث ) التي أصبحت سلعة تباع وتُشرى ، ولا تحقق أية فائدة فعلية للطالب ، وهي غالباً ما تودع في النهاية المستودعات ويطالب الطالب بأن يقدم عن النشاط الذي حضره تلخيصاً لما تم في النشاط الثقافي مهما كان النشاط الأدبي الذي تابعه ، وبذلك فإننا نعود الطالب على الحضور ، كما ننمي في طلابنا ملكة النقد وبناء الشخصية القادرة على التذوق والحوار ، كما يمكن أن نسهم في خلق حالة من التفاعل الثقافي الحقيقي بين الثقافة والجيل.
د. وليد العرفي