المرحوم الدكتور سمير ضاهر،سكن حمص، وهو ابن السقيلبيّة التي استهدفها التكفيريّون أكثر من مرّة، دون مراعاة للحديث النبويّ « مَن آذى ذمّيّاً فقد آذاني»، وكلمة (ذمّيّ) هنا ليست للاستهانة بل تعني أنّ هذا في ذمّتي، وتلك أخلاق الأنبياء،
حوّل عيادته في جورة الشيّاح، في يوم محدّد لاستقبال الذين يعشقون الموسيقى الكلاسيكيّة، والغربيّة منها على وجه التحديد، ومفردة الغربيّة تشمل ماأبدعه الموسيقيّون الروس، وكان ضليعا بمعرفة الموسيقيّين، حتى ليُخيّل للانسان أحياناً أنّه قد درس ذلك في سويسرا حيث تخرّج منها كطبيب.
ماأنْ يُذكَر أمامه موسيقيّ، أو قائد أوركسترا معروف، حتى يسرد على مسامعك أهمّ مايتميّز به، وما مؤلّفاته، ونبذة عن حياته، وبهذا الجهد المتواصل استطاع أن يشكّل جمهورا من أصحاب التذوّق، واستقطب من كانت تشدّهم تلك الموسيقى، وتنقّل بمحاضراته بين المركز الثقافي، واتحاد الكتاب العرب، وقد نقل العارفون بما عنده أنّه كان لديه أكثر من ثلاثين ألف أسطوانة ، رتّبها في مكتبته في بيته بطريقته الخاصّة، وما كان يبخل بنقل مايُطلَب منه، بل كان يفرح بذلك، وهو الفرح أبدا الذي لاتفارقه الابتسامة.
في ذلك الزمن كان ثمّة برنامج يُذاع من إذاعة دمشق، يُبَثّ بين الواحدة والثانية ظهرا، أنستْني الأيام اسم مقدّمه، وكان يشرح مايجب شرحه، مع لمحة تاريخيّة، ومن ثمّ يبدأ البثّ، وكنت أحرص على سماع هذا البرنامج ماساعدني الوقت على ذلك، وذات يوم استمعت إلى كونشيرتو لآلة « ألأوبوا» فشدّتني الآلة، كما شدّني البناء الموسيقيّ الذي فيها، وفور الانتهاء من سماع ذلك اتّصلت به على هاتف عيادته، وكان ذا صوت مرتفع كعادة أهل الأرياف، فقلت له:» سأُحضر لك شريط كاسيت، وأريد أن تنسخ عليه شيئا لآلة ( الأوبوا)، فانفجر ضاحكا، وقال:« آه ياغجري، هذه الالة تُشبه آلة الزّورنة)، – مايُسمّى «زمْر النّوَر»- «ولذا أعجبتك»،
ذات ظهر رنّ جرس الهاتف، فرددت، فجاءني صوته العالي الضاحك، وقال لي:«لديّ مريضة بدويّة، جميلة، اسمها « عنود»، وقد أخبرتُها أنّك ملأتّ قصائدك بذكر اسم « عنود» فأحبّت أن تكلّمك، «، وجرى حوار سريع ، شفاف، لطيف،
في إحدى الأمسيات، وكان حديثه عن سمفونيّة تكاد تؤرّخ للحرب الأهليّة الاسبانيّة، تحدّث بإسهاب، وشفافيّة، وحين وصل إلى نقطة ساخنة معبّرة عن ذلك النضال الطبقي في الحرب الاسبانيّة، داهمه البكاء، فتوقّف عن الكلام وأجهش، فكان دمعه أبلغ من أيّ تعبير،
الدكتور سمير ضاهر رحمه الله، ترك بصمة لاينساها إلا القادرون على أن ينسوا أسماءهم إذا أرادوا،
لقد كان زمنا جميلا، أو هكذا أراه على الأقلّ، ولست وحدي في هذا التقييم،
رحم الله كلّ مَن وضع لبنة في صرح البناء الثقافي في حمص، ومدّ في عمر الأحياء منهم، ومنحهم الصحّة والعافية.
عبد الكريم النّاعم
aaalnaem@gmail.com