ظاهرة الدروس الخصوصية تبدو متفشية وبشكل كبير في كافة المراحل الدراسية الأساسية والثانوية ، وهي ظاهرة خطيرة انتشرت بشكل كبير في مجتمعنا منذ سنوات عديدة في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي وذلك لأسباب عديدة لها علاقة بطبيعة ودرجة النمو الذهني عند الطلاب ،حيث لاشك أنهم ليسوا على درجة واحدة من الاستيعاب الذهني لما يقدمه الأساتذة والمدرسون في الحصص الدرسية ، وحتى لو كانت هناك درجة متطورة من الفهم والتلقي من قبل الطلاب قد تكون هناك مشكلة أخرى تكمن في المدرس الذي يكون غير قادر على تقديم المعلومة بشكل وأسلوب جيدين وهو سبب ذاتي يكمن في طريقة وأسلوب التدريس .ولذلك فإننا نلحظ إقامة دورات بين الفينة والأخرى معظم المواد للاعتماد على أسلوب وطريقة في التدريس بهدف إيصال المعلومة للطالب بكل يسر ودون أية معوقات على الرغم من كل الجهود المبذولة من قبل وزارة التربية ومديرياتها في المحافظات لتأهيل وإعداد المدرسين وتدريبهم على أفضل الوسائل التعليمية فإن هذه الجهود تبدو عديمة الجدوى إذ أن هناك معوقات كثيرة تعترض العملية التعليمية وتمنع تحقيق الفائدة المرجوة بنسبة كبيرة كما هو مخطط لها وهي أسباب تعود للمدرسين أنفسهم الذين لا تكون لديهم الرغبة في إعطاء الدرس بشكل سلس ويفهمه الجميع.. .أملاً في الحصول على دروس خصوصية لهؤلاء الطلاب لتحسين وضعهم المادي حيث نرى المدرس غير مهتم في المدرسة بتقديم درس نموذجي في حين يبدو الأداء مختلفاً لذات المدرس فيما إذا تم تكليفه بتدريس أحد الطلاب أو مجموعة من الطلاب عبر ما يسمى بالدروس الخصوصية أو الدورات التعليمية فهل هذا يدل على انعدام الوجدان عند هؤلاء المدرسين .. ؟
وهل يعني هذا أن هؤلاء المدرسين قد باعوا ضميرهم المهني وأصبحوا تجاراً لا يقلون عن أولئك التجار الفاسدين الذين يمكن أن يتخلوا عن إنسانيتهم وضمائرهم مقابل بضع مئات من الليرات ؟
ظاهرة الدروس الخصوصية على الرغم من تفشيها وبشكل كبير في مختلف المراحل الدراسية وللأسف تعكس فساد قسم من بناة الأجيال الذين يعدون الأجيال القادمة وهذا الفساد لاشك بأنه مؤشر خطير ينبغي الالتفات له والانتباه لنتائجه المستقبلية ، حيث أننا يمكن أن نلحظ مستقبلاً ظواهر لاحقة لهذا الفساد تتمثل بالفساد الإداري في بعض المدارس، فالفاسد ينقل فساده بالعدوى لمن حوله وهذا مؤشر أيضاً على تدني وتراجع العملية التعليمية في بعض المدارس التي تعتبر مؤسسات تربوية قبل أن تكون تعليمية لأنها تقوم على التربية الأخلاقية ومن ثم تعليم المواد العلمية وكلتاهما نحتاجهما في مجتمعنا الذي يقوم على ركائز العلم والأخلاق والتربية الصحيحة ،وحين يتفشى الفساد التربوي والعلمي فهذا يشي بفساد أكبر ينبغي ألا يطال هذه المنظومة التربوية التعليمية في المجتمع.
إن حرص الأهل على تعليم أبنائهم وتوفير كل المستلزمات والأجواء لحصولهم على علامات جيدة في كافة المراحل وخاصة المرحلة الثانوية يدفعهم لدفع مبالغ طائلة وكبيرة من أجل هذه الغاية وقد سمعنا أن بعض الأسر قد دفعت ما يقارب المليون لابنهم أو ابنتهم أجور دورات ودروس خصوصية وذلك بسبب تقاعس بعض المدرسين عن أداء واجباتهم تجاه الطلاب .
ثمة الكثير من الأمثلة الحية الموجودة والتي نسمعها سنوياً والتي تؤكد على عدم تأمين الكوادر الجيدة من المعلمين والمدرسين وخاصة لصفوف الشهادتين الإعدادية والثانوية فكم من مدرس لمادة الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء كان عاجزاً عن إيصال المعلومة لطلبته لأنه غير مواكب للمناهج الحديثة أو تقصيراً منه مما ينعكس على أسلوبه وطريقة التقديم ويزدها بلة عدم التفات الإدارات لهذه المشكلات التي تتكرر سنوياً وعدم قيام الموجهين الاختصاصيين بدورهم المطلوب في وضع الكفوئين في الصفوف التي يتطلب وضعهم فيها .
مشكلة الدروس الخصوصية وتشتت المدرسين بين المدرسة والدروس الخصوصية والدورات التعليمية مشكلة هامة أثرت وتؤثر على مستقبل أجيالنا التي أرهقت ويئست من تلك الأساليب التي جعلتهم عاجزين عن اللحاق بأقرانهم الذين توفر لهم المدرس الجيد وأصبحوا بغنى عن الدروس الخصوصية والإرهاق المادي الذي يكلف آباءهم مبالغ طائلة لا قدرة لهم عليها .
عبد الحكيم مرزوق