أعجبني هذا العنوان لرواية :قرأتها وأحببتها وأعجبت بكاتبها :شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ ،ولذلك قفز إلى مساحة ذاكرتي عندما هممت أن أكتب تحية أتذكر فيها بدايات العدوان على وطني سورية وأنا أصر على تسميته عدواناً ولا أجد له اسماً آخر .
كنّا نجلس في غرفة المدرسين في الثانوية وكان أسبوع قد مر على بدء تنفيذ العدوان وكنّا نتبادل الآراء والأفكار ،فقال صديقي –أبو جمال ألبسه الله ثوب العافية ورد إليه صحته –إنها لعبة أولاد ،وزوبعة في فنجان ! فقلت :والله يا صديقي إنني أخالفك الرأي ،وما أراها إلا مؤامرة كبرى على وطننا ،فعلّق زميل ثالث :إنكم تلوذون دائماً بنظرية المؤامرة .فقلت له :سيذوب الثلج ويبين المرج ،والمياه تكذب دائماً ما يدعيه الغطاسون ،إنني أرى أن من أشعل فتيل العدوان المؤامرة على سورية الدولة والتاريخ والجغرافيا والجيش والفكر المقاوم لم يشعله عبثاً ،وإنما يعرف هذا الفتيل إلى أين يمتد وما هي الصواعق المتصلة به وأين ومتى تنفجر ،وأين توجد المتفجرات الكبيرة .
وما هي مواعيد تفجيرها إلى أن تصل إلى الصاعق الكبير الذي كان مخططاً له أن ينسف سورية الكيان والوجود لأن صهيون يريد ذلك ،يريد بناء الكيان الصهيوني من الفرات إلى النيل .ألم تقل :غولدامائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني عام سبعة وستين :آباؤنا بنوا كياننا الصهيوني عام ثمانية وأربعين ،ونحن بنيناه عام سبعة وستين ،وأنتم الأبناء ستبنون الكيان الصهيوني الكبير ؟!!
وكم كان الكثيرون يسخرون منّا عندما نتحدث أو نكتب عن المؤامرة ،وأن قيادة وطننا سورية وقيادة المقاومة والقيادات الصديقة عرفت متى وأين تقص الفتيل وتحمي سورية من كل انفجارات الصواعق وكتل المتفجرات الضخمة التي لم يسبق لها مثيل ،وهذا ما يفسر مقولة: – سورية الله حاميها –
واليوم يمر شريط ثماني سنوات حافلاً بالقتل والتدمير والتكفير والتهجير ، ولكن الصور المضيئة في الشريط تطغى على الصور الرمادية والحالكة السواد ،أرى الشهيد العميد الركن المهندس عمار شريفة يدافع عن موقعه في غوطة دمشق حتى الرمق الأخير ،وهو من كان من أبرع عازفي –القانون -في حمص ،فجسد حسه الموسيقي المرهف استشهاداً من أجل وطنه ،وأرى الملازم الأول عبدالله الشاعر يدافع عن مشفى الكندي في حلب ويستشهد ليحافظ على حياة رفاقه ،أرى الملازم الأول عرفان كاسوحة ابن صديقي الراحل –داوود –يدافع عن مخيم –حندرات –في ريف حلب بشجاعة نادرة ،ويستقبل رصاص الشهادة بصدره الرحب رحابة دار طفولته في القصير ،أرى المهندس سمير سخية ابن أخي الأستاذ سليمان وهو يسرع شهماً شجاعاً لإسعاف جرحى الانفجار الأول على شارع الستين غير آبه بالخطر ، الذي مثّله من كان ملتفاً بأحزمة ناسفة ووعود بحوريات الجنة ،فكان الانفجار الثاني والشهادة المضيئة لدروب أجيال وأجيال .
صور مضيئة تتتابع وبينها صور رمادية وحالكة السواد أسمع الكثيرين من أصحابها يرددون :لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت !!ولكن ماذا تفيد –لو ؟!
د. غسان لافي طعمة