في العام 1982 كنت طالباً في الثانوية ..وفي إحدى العطل الصيفية اشتغلت مع الخبراء التشيك في توسيع مصفاة حمص السادس …وكنت أعمل في بناء مساكن خشبية مسبقة الصنع واسمها (الهاوزينغ )..وكنا نحن العمال العرب نخرج من مدينة حمص الساعة السابعة وننتقل عبر باصات مصفاة حمص ..وهي أول نوبة تخرج بها الباصات من المدينة باتجاه المصفاة ..
وعلى مايبدو كانت هناك فترة من الزمن محددة للمهندسين التشيك لإنهاء بناء المساكن ..وعليهم أن يسرعوا أكثر في العمل .لذلك اجتمع فينا الخبير الأجنبي وراح يحدثنا بالانكليزية ..فيما شاب آخر يقوم بترجمة ما يتحدث به الخبير، فقال لنا :اعتباراً من يوم غد يجب أن تتواجدوا هنا في تمام الساعة السادسة صباحاً ..قلنا له :ولكن يا أستاذ لا توجد وسائل نقل في مثل هذه الساعة المبكرة ..إذ يجب علينا أن نخرج من المدينة حوالي الساعة الخامسة صباحاً !! فأجاب الخبير بكلمة ترجمها لنا الشاب على الشكل التالي (دبرو حالكن ..تعالوا مشي )فضحكنا كثيراً لهذه الكلمة ..فقد كنا شباناً صغاراً تبدو لنا الحياة زاهية مشرقة ..وأن كل ما في الكون مكرس لخدمتنا ..ولهذا حين قال لنا تلك العبارة ..فقد استغربنا كلامه ..ومع ذلك فقد اضطررنا بالفعل للخروج من المدينة الساعة الخامسة صباحاً ..ثم نقطع المسافة حتى مصفاة حمص سيراً على الأقدام ..أو على الدراجات الهوائية .
وبعد مضي أكثر من خمس وثلاثين سنة ..تعاد صيغة (دبر حالك )ولكن ليس من قبل خبير أجنبي ..بل من قبل أبناء البلد أنفسهم ..فحين صدرت البطاقات الذكية لتعبئة البنزين ..كانت حصة السائق ما يعادل 40 ليتراً من البنزين يومياً أي ما يعادل 1200 ليتر شهرياً ..وفجأة تخفض الكمية إلى 200 ليتر في الشهر أي ما يعادل سبعة ليترات يومياً ..وهي كمية لا يستطيع السائق أن يسير أكثر من خمسين كيلو متراً في اليوم ..وعندما تساءلنا (وماذا نفعل عندما تنتهي حصة السائق ولا يزال في منتصف الشهر ؟! فكان الجواب على الشكل التالي :لا نعرف ..دبر حالك )
وإذا اعتبرنا أن اختراع البطاقة الذكية كان لمنع محطات الوقود من تهريب البنزين وإعطاء المواطن حقه..فكيف تم الالتفاف على هذا القانون ؟!
لقد تم تخفيض حصة السائق من البنزين ..لكي (يدبر نفسه )من خارج المحطات ..أي عليه شراء البنزين الحر بسعر يعادل أضعاف سعره في الكازية… إذاً لقد عدنا إلى نقطة الصفر ..بل إلى ما تحت نقطة الصفر .وعدنا نشتري البنزين الحر من المهربين ..«وتيتي تيتي ..متل ما رحتي..متل ما جيتي» !!
نصر مشعل