عميقة المغزى تلك الحكاية , الفكرة التي جاءت بها إحدى مجلات البحوث التربوية في سابقات السنين لعصر سابق عن ذاك المعلم الذي أراد تجسيد درس في الجغرافية عن نهر النيل وفرعيه دمياط والرشيد وقد أعطى الدرس في باحة المدرسة والفصل ربيع محاولا بالتراب وكفيه أن يجسد المجرى ، طالبا من تلميذ أن يسكب الماء ليكون انسيابه من منابع النيل إلى حيث متسع البحر ما بين فكرة مجردة وواقع وسرح خيال في براءة طفولة يأتي «المفتش»كما كان يسمى سابقا ليجود بالملاحظات إذ الدرس ليس في الصف غير مقدر بطريقة استكشافية على بساطتها لكأن سبق فكرة في غير أوانها محط قحط في ذهنية ما اتسعت في رحابها آنذاك لكن من الموضوعية بمكان أن لكل شيء شرطه التاريخي ولعل ما قاله أحدهم لو قدر لـ« أينشتاين » أن يولد بعد خمسين عاما من ولادته لماكان اينشتاين بمنجزه فلربما جاءت نظريات تفوق ما جاء به أجل هي المتغيرات الحاضرة في كل عصف ذهني وسعة كل عبقرية وبراعة كل أداء ومنتج كل تفكير وتبادل خبرات في مراكز بحوث ودراسات وجامعات ومؤسسات وفق منطق الوجود في وعي كل تجدد يقتضي ثنائية تقدم وتطور يحاكيان جنبات الحياة كلها صدى لبذار عقول دنياها مصاطب وحقول ما اتسع الكون الرحيب في دنيا الإنسان قيمة كبرى . إنه الإنسان المعني بالمعارف والخبرات واكتساب المهارات والمنبعث عبر مدارج العمر مابين مؤسسة منزلية وأخرى مدرسية وغيرهما أيضا ومن جماليات التعريف بالمدرسة : هي المؤسسة التي تنوب عن المجتمع في إعداد الأبناء لذلك تراها وعيا غني الأداء من حيث الإعداد للناشئة والتكامل من حيث حيثيات تفاصيل المؤسسة التربوية و هرميتها مؤسسة و قوانين و مناهج وأنظمة وتعليمات وعاملين ضمن سياسة تربوية عليا غايتها في صميم أهدافها وعي بنيوي معرفي ثقافي مهاري قيمي وإعداد بدني وتقاني يجسد أنماط المتعلمين السمعية والبصرية ويفعل الذكاءات المتعددة مع ثراء للميول والاتجاهات والمشروعات والمبادرات و إثارة دافعية التعلم الفعال وإعمال التفكير وفق مستوياته العليا وقد أضحى الإعداد للمعلمين والمدرسين مثاقفة مهنية تستند إلى طرائق و«استراتيجيات » ونظريات في علم النفس والتربية وحاجات المجتمع مع فيض التجذر ومرتكزاته في مهاد الانتماء الوطني والقومي والإنساني وما تتسع به الحياة بما يعود إشراقات تمكينا لقيمة المنتج البشري موردا أساسا في سعادة كل حضور ورقي كل حضارة ، مدخل هذا المنتج البشري ورؤاه ومخرجاته هادفة في مرجعيتها التكاملية وعيا جمعيا ً ولدى معلم في الميدان فيض ذلك إرادة عمل خلاق يعي واقع التدفق المعرفي والحتمية التقانية وضرورة مصادر التعلم واستثمار الوقت والقدرات لدى المتعلمين بما يختزن من عمق في الاختصاص وغنى في الثقافة والخبرات والمهارات والطرائق وحتمية رسالة التعليم عبر فرح المبادرة وأصالة كل إبداع وحسن إدارة صفية ترتكز على مدرس موجه وميسر وطلبة ضمن وعي تشاركي وتفعيل قدرات وتنمية مواهب وتبادل خبرات عبر أداء نوعي وتوظيف لافت مميز لمصادر التعلم والوسائط التعليمية وتوكيد التقويم والتقييم عبر أساليب متعددة ونوافذ معرفية من ملاحظة ومقابلة وسلم لفظي و آخر غير ذلك بما يفيد تحقيق تغذية راجعة وسعة في تقويم تحصيلي ونهائي يمكن المتعلم من مرتكزات معرفية وحقائق وجودية وقضايا تنمو توازياً ضمن العمر الزمني ومراحل النمو وعلى سرح لغة عربية فصيحة معيارية مع تعاضد مجتمعي يكمل دور المعلم . ذلك كله المعلم الرسالة في واقع ميداني زملاء كرام ومؤسسة تربوية في معمارية وطن حاضر العراقة أبجدية وانتصارات ومواكب خير وعطاء للإنسان والمجتمع والوطن ودنيا الحضارة . هو المعلم الرسالة الذي يتجاوز حضوره قرع جرس حصة أو امتداد سني خدمة بتقاعد بل تراه يطل من إشراقات العيون دفئاً وجدانياً من مهاد قلوب عامرة بالتقدير وعقول متجذرة بأناقة الاحترام والتبجيل عبر أجيال و أجيال … إنه الحاضر أنفاس الأجيال معلماً يبني وقيمة إنسانية كبرى في ذاكرة الزمن فما إن تذكر المناقب والسجايا إلا وتراه عبق المكرمات في شدو ضمائر لها المدى كل سمو ورقي.
إنه المعلم الرسالة جنة الوعي في سعادة المعرفة وحضور الإبداع في محيا العبقرية , ونبل الأناقة في مرتكز التميّز وواحة الخير على فضاءات من فضاءات ٍ وقدتها ضياء وضياء ما بين آفاق و آفاق . وجميلة أبيات الجواهري في قيمة التعليم والتعلم ورغبة المتعلمين في بناء الحياة و إشراقة المستقبل يا عاكفين على الدروس كأنهم غلب الصقور من الظمأ تلوب والعازفين عن اللذات همهــــــم جرس يدق ومنبــــر وخطيب والمستقين من الضمير يمدهم نبع وداد بالضميـــــر خصيب.
نزار بدّور