تعرفت إلى الأديب الدكتور بديع حقي وأنا طالب في المرحلة الاعدادية عندما قرأت قصته المتميزة – -البرتقال الحزين – التي نالت أكثر من جائزة. وماعشت لا أنسى بطل القصة الفتى الفلسطيني المشرد مع أسرته من ديارهم ، والذي يقيم في مخيم قريب من الحدود،وفي ليلة شتائية كانت أخته مصابة بالأنفلونزا ، وتمنت أمه أن تحظا بكأس من عصير البرتقال و لكن شجرة البرتقال في دارهم ودارهم محتلة من قبل الصهاينة ، ويتسلل الطفل الأخ تحت جناح الظلام ليقطف برتقالة من شجرة دارهم المحتلة ويصنع كأساً من العصير لأخته المريضة ، ولكن الحارس الصهيوني يطلق النار على الطفل الذي يحمل البرتقال في يديه وهنا اخترقت رصاصة جسده الغض كما اخترقت رصاصة البرتقال فسال عصيرها وامتزج بدم الطفل الشهيد ، وكان جسده أول ما عانق الشمس ، وانطفأ حلم الحصول على عصير البرتقال من شجرة الدار ولف الحزن والسواد وخصوصاً الأم والأخت المريضة .
وبعد هذه القصة المتميزة قرأت له قصة – عكازة جدتي – وأخذت أتابع أدبياته المتنوعة بين القصة والخاطرة والشعر، وهو الدبلوماسي المثقف في وزارة الخارجية في الجمهورية العربية السورية ، في زمن كانت فيه هذه الوزارة تضم أدباء كباراً منهم نزار قباني وعمر ابو ريشة وقد تابعت بشغف ما نشره في أعداد مجلة – القيثارة – التي كانت تصدر في اللاذقية بين حزيران عام ستة وأربعين وأيار عام سبعة وأربعين وكانت تصدرها جماعة الشعر الجديد ، وقد قامت وزارة الثقافة مشكورة بنشر أعداد هذه المجلة في مجلد واحد . وقد أثار الأديب بديع حقي اهتمامي شاعراً رومانسياً يرق عن النسمة ويشف عن الضوء . ومن ذلك قصيدته التي قدم لها بمقطع من نشيد الإنشاد يقول – اجعلني كخاتم على قلبك – كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت » وفيها يقول في – الخاتم الذهبي – :
تراه استلان البياض النقي
فمال على إصبع ثم دار
ترامت حواليه خمس شموع
فكان اللهيب لها و الشرار
فمنه الأصيل استعارتها ويله
الصفر فانداح : نوراً ونار
وطوف عبر اللجين الرقيق
هلالاً توسد موج البحار
على سلم من لحون الهوى
تسلسل لحناً بعيد القرار
لقد كان بديع حقي – طيب الله ثراه – أديباً رومانسياً شفيفاً رقيقاً، وقد تمثل الرومانسية الفرنسية خير تمثيل مما جعل أدبه نضراً مفعماً بماء الورد والحياة .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...