في موسم التنزيلات .. ضاعت بوصلة المستفيد مابين التاجر والمستهلك …الربح مؤكد وسابق .. والتنزيلات .. « تحصيل حاصل »

بدأ موسم التنزيلات الكبيرة على مشارف انتهاء فصل الشتاء، وفي منتصف شهر شباط تحديدا ، وهو فرصة مميزة لمعظم محال بيع الألبسة والأحذية ومستلزماتها لبيع ما تبقّى من بضائع في مستودعاتها، وتمهيدا للبدء بطرح الثياب الربيعية، قبل حلول فصل الربيع.
وكما جرت العادة تبدأ هذه التنزيلات في موعدها المحدد مع نهاية الموسم – في الصيف أو الشتاء – فمع بدء موسم التنزيلات لدى المحال التجارية، يستجيب معظم الزبائن لتلك النداءات، و تتوزع اتجاهاتهم ما بين الإغراءات المتباينة ، حيث تمنح العديد من العائلات والأفراد الفرصة لشراء ما ينقصهم من ملابس وأحذية وغيرها من المستلزمات، بأسعار مخفضة.

هذه التنزيلات تشهدها الأسواق في كافة بلدان العالم وكذلك في البلدان العربية، وتقدم خلالها عروضاً مغرية لا يمكن مقاومتها ، الأمر الذي يثير تساؤلات عن حقيقة التنزيلات هل هي فعلية أم وهمية، وكيف يمكن للمحال التجارية أن تبيع بضاعتها بهذه الأسعار الزهيدة؟
من المستفيد ..؟؟
وقد يكون من الصعب أحيانا تحديد المستفيد الأول من فترة التنزيلات، هل هم التجار وأصحاب المحال التجارية ، أم المستهلكون؟ إلا أن هناك كثيرين يرون أن تحديد الضروريات وشراء الحاجات اللازمة في فترة التنزيلات قد تجعل المستهلك هو المستفيد الأول.
وهنا يلعب التشويق والإغراء دوره .. « تنزيلات إلى 50 بالمائة » ، « اشتر قطعتين واحصل على الثالثة مجاناً » … لوحات إعلانية تعلقها أغلب المحال التجارية في موسم التنزيلات بهدف جذب الزبائن حيث تتنوع أشكال العروض التي تقدمها المحال لإثارة اهتمام الزبائن ، منها مثلا أن التخفيضات تصل أحيانا إلى 70 في المائة ، أو أن كنزة شتوية كان ثمنها 7 آلاف ليرة سورية في تشرين الأول، ربما يصل ثمنها إلى 3 آلاف في نهاية آذار، وهنا يأتي دور « فنّ الشراء « خلال فترة التنزيلات ، إذ يتهافت الناس خلال هذا الموسم على شراء ملابس لموسم الشتاء الآتي مع بقاء التساؤل قائما لدى البعض : ألا « تبطل» موضة الثياب التي سنشتريها اليوم؟
موسم .. وآراء متباينة
وتختلف آراء المواطنين حول موسم التنزيلات، فبينما يرى البعض بأنها الفترة المثالية لشراء جميع مستلزماته بأسعار زهيدة وكميات كبيرة، ينتقدها البعض الآخر منطلقاً من أن المبالغة في التنزيلات تدفع المرء إلى شراء ما لا يناسبه . فتؤدي التنزيلات المثيرة في كثير من الأحيان إلى المبالغة في شراء المرء لما يفوق حاجته أو ما يناسبه.
موسم التنزيلات في حمص ما زال مستمرا لغاية انجاز هذه المادة وهذا ربما يعود للعديد من الأسباب ، وخلال جولة لجريدة العروبة على الأسواق منذ بداية هذا الموسم استطلعنا بعض الآراء لمواطنين وأصحاب محال تجارية :
تنزيلات حقيقية أم وهمية؟
منى – موظفة وجدت في هذه المواسم ضالتها فقالت : أنا أنتظر موسم التنزيلات بفارغ الصبر وأقوم – وبشكل روتيني – بادخار بعض النقود من المصروف لهذه الفترة حيث أشتري كل ماأرغب فيه من ملابس وإكسسوارات بأسعار رخيصة ، وبكميات أكبر .
وقد خالفتها الرأي صديقتها سمر فقالت : الشراء في هذه الفترة مرفوض بالنسبة لي وبرأيي أن «الحسومات » المبالغ بها تدفعنا إلى شراء ما لا نحتاجه أو ما لا يناسبنا وهذا لا يعني توفير بالنسبة لي بل على العكس تماماً ، إضافة إلى أن هذا الموسم يشوبه الكثير من الفوضى والازدحام الهائل في المحال وتسابق الناس على اقتناص الملابس، الأمر الذي يجعلني عاجزة عن التسوق أو البحث بتمعن عن مستلزماتي.
إضافة إلى أني أشك في نوعية البضاعة التي تعرض في موسم التنزيلات، فيما إذا كانت هذه هي الأصلية أم أنها بضاعة مكدسة في المخازن ، أو ربما تكون ذات صناعة رديئة ولم تسوق مع التاجر في موسمها.
شادي – طالب جامعي يحب شراء الملابس ويهوى الموضة ، ولكنه لا يحبذ شراء ملابسه في موسم التنزيلات، ويرى أن الشراء في هذه الفترة له حسناته ومساوئه ويشير إلى أنه رغم المبالغة في أسعار الملابس وخاصة ذات العلامات التجارية المشهورة عندما يقارنها قبل التنزيل وبعده، فهو يؤكد : أكون سعيداً عندما أشتري ملابسي خارج فترة التنزيلات كوني من الناس الذين يجارون الموضة .
ما بين الموضة والأسعار المناسبة
جمانة – موظفة تترقب موسم التنزيلات وتنتظر هذه الفترة لشراء ملابسها، فهي لا تهتم بكونها أول من ارتدى آخر صيحات الموضة وترى أن موسم التنزيلات هي الفترة المناسبة للتسوق، وبرأيها أن المرء عليه ألا يكون مهووساً بشراء الأشياء الغالية، لمجرد أنها آخر صيحة نزلت للسوق وأوضحت : يكفيني أن أكون مقتنعة بمظهري الخارجي فأنا أهتم به لنفسي وليس للتباهي أمام الآخرين، وأنا أعد قائمة مسبقة تتضمن كل مستلزماتي تجنباً لإغراءات الأسعار وتنوع الموديلات.
نهى – طالبة جامعية ، مولعة بشراء الملابس أيضاً إلا أنها لا تنتظر فترة التنزيلات لشراء حاجيتها وتقول: رغم إقبال الناس المتزايد على الشراء في هذه الفترة إلا أنه في بعض الأحيان يضطر المرء لشراء الأشياء الضرورية فقط، وهنا يصعب انتظار التنزيلات . فإقبال الناس على شراء الملابس غالباً لا يرتبط بفترة التنزيلات ، وخصوصا الضرورية منها والتي لا يمكن أن تؤثر عليها الأسعار حتى وإن كانت مرتفعة مقارنة مع أسعار موسم التنزيلات و لا يمكن أن ننسى تأثر واهتمام الناس بالموضة ، مع ذلك قد تكون هناك بعض الفئات الاجتماعية التي تستغل فترة التنزيلات للحصول على احتياجاتها بأسعار رخيصة بسبب الضائقة المادية الصعبة .
أول المستفيدين
تختلف الآراء حول إقبال المرأة المتزايد على شراء الملابس وخاصة في فترة التنزيلات، فبينما يعتقد البعض أن إقبالها يفوق الرجل، يرى آخرون أن هذا الأمر لا يتعلق نهائياً بجنس المستهلك فالرجل لديه ولع أيضا بشراء الملابس ، وتؤكد بعض السيدات أن السبب الرئيسي في تردد النساء على السوق بشكل أكبر من الرجال نتيجة الفرق بين الملابس الرجالية والنسائية فالفتيات لديهن خيارات أوسع بكثير في انتقاء ملابسهن مقارنة مع الرجال، إذ تنحصر ملابس الرجال في القميص والبنطلون .
أميرة – ربة منزل قالت : أفضل شراء بعض القطع الأساسية التي لا تبطل موضتها. وذلك خلال اليوم الأول، لأن الإقبال يكون كبيراً، وتبدأ البضائع والمقاسات الأكثر انتشاراً بالنفاد فوراً ولذلك أشتري القطعة فور إعجابي بها لأنّها بعد دقائق قد تكون قد صارت في أيدي غيري وغالباً ما تكون «آخر قطعة».
ورغم أن التخفيضات تكون مغرية وتحثّنا على شراء ملابس عصرية مواكبة للموضة، إلا أننا قبل شرائنا أيّ قطعة يجب أن نفكر إذا كنا سنستفيد منها في الموسم المقبل .
التجار.. تصريف للبضائع واحتفاظ بالزبائن
أكد العديد من التجار أن ضعف الحركة الشرائية على الملابس الشتوية دفع باعة وتجار الملبوسات الشتوية إلى بدء «معركة »التنزيلات والمضاربات مبكراً ، بالرغم من الأجواء الباردة جداً والعاصفة التي شهدتها المنطقة .
 وقد شملت التنزيلات والترويج مختلف الأصناف ولجميع الشرائح وسط إقبال ملحوظ من الزبائن والمشترين ، ونجح التجار في استمالة وجذب المزيد من الزبائن وزيادة الحركة التجارية في الأسواق .
ويتطلع التجار في كل موسم إلى نجاح مناورة التنزيلات خلال الفترة المخصصة لها وبيع الحد الأدنى من البضائع المكدسة في المعارض والمخازن، كما يقول شادي والذي استعان باثنين من الفتية لمساعدته في الترويج للتنزيلات ومنافسة المحال المجاورة.
وأكد نصر- صاحب محل ألبسة نسائية أن المبيعات تراجعت خلال الأيام الأخيرة، بعد أن شهدت الأسوق اقبالاً ملحوظاً حتى نهاية العام الماضي ، وهو ما دفع التجار إلى إعلان التنزيلات للتخلص من أكبر كمية ممكنة من الملابس وبالتالي شراء بضاعة جديدة للموسم القادم .
ووصف التنزيلات هذا الموسم بالجيدة بسبب تزامنها مع سوء الأحوال الجوية وانخفاض درجات الحرارة.
بضائع يعتمد عليها
ويركز التجار في التنزيلات على الملابس الثقيلة وبخاصة المعاطف والتي تفقد جزء كبيراً من أسعارها خلال المواسم القادمة كما يبين التاجر محمد والذي وصف المنافسة بين التجار بالقاسية بسبب ارتفاع أعدادهم ودخول باعة جوالين من مناطق مجاورة على خط المنافسة ولكن بنوعية صناعة رديئة والتي تلقى إقبالا من قبل محدودي الدخل .
وبرغم اشتداد المنافسة إلا أن الإقبال على الشراء والتجاوب مع التنزيلات الكبيرة مقبول جداً.
وقال : إن موسم التسوق انتهى مبكراً وفي ذروة موسم الشتاء ، ومعظم المتسوقين يشترون الملابس لتخزينها للعام القادم بدلاً من شراء ملابس حديثة بأسعار مرتفعة.
وبالمقابل فالبضاعة التي تباع قبل التنزيلات يتم تسعيرها بطريقة مناسبة وكفيلة بتغطية جميع المصاريف اللازمة إضافة إلى تحقيق الأرباح ، والتنازل عن الربح في موسم التنزيلات هو أمر لابد منه من أجل تهيئة المخازن لاستقبال البضائع الجديدة.
ربح بسيط
وكان لنا لقاء مع عبد الناصر شيخ فتوح رئيس غرفة تجارة حمص الذي قال : موسم التنزيلات هي إجراء متبع في كل دول العالم فمع نهاية كل موسم وكي لا تكسد البضاعة للموسم القادم في مخازن التجار يقوم أصحاب محال الألبسة والأحذية ومستلزماتها بتخفيض الأسعار مع نهاية الموسم وهذه التخفيضات تصل إلى حسومات ما يقارب 50% إلى 60% وأحيانا أكثر وهذا يشجع الزبائن على الشراء وبكميات أكبر رغم عدم حاجتهم لها هذا الموسم ولكن يستفيدون منها في الموسم القادم ، ومن جهة أخرى يكون التاجر قد صرف بضاعته وإن كان بربح بسيط جدا فهو بالمقابل حقق أرباحا لا بأس بها خلال الأوقات العادية أو خلال موسم الأعياد أو المناسبات .
وأضاف : موسم التنزيلات يساهم في إنعاش حركة السوق التي تشهد ركودا وبرودة نظرا لسوء الوضع المادي المتردي وضعف القوة الشرائية لدى نسبة كبيرة من المواطنين الذين يستغنون عن شراء الملابس إلا للضرورة لصالح احتياجات أخرى تكون أكثر أهمية ، ولكن عندما تكون بأسعار مخفضة يقبل عليها المواطن ، كما تساهم هذه التنزيلات في دوران رأس المال وعدم تجميده .
السوق يتحكم بحركة البيع والشراء
وأكد شيخ فتوح : عندما يكون السوق قويا ومنتعشا بالحركة الشرائية فالتاجر لا يخفض من أرباحه وقد يتحكم بالأسعار ولا يبيع إلا بما يتناسب مع ما يريده من أرباح ولكن عندما يضعف السوق وتكثر أعباء المواطن فالتاجر لا يريد أن يخسر زبائنه ولذلك يخفض الأسعار وأفضل توقيت لذلك هو موسم التنزيلات .
ولا ننكر وجود بعض النفوس الضعيفة والجشعة التي لا تقتنع بالأرباح البسيطة والمحددة و تتبع طرقاً ملتوية للربح وخصوصا عندما تقوم بتنزيلات وهمية على بضائع كاسدة أو بأسعار أقل من الجودة ، ولكن شركات الألبسة المعروفة وأصحاب الماركات العالمية تقوم بتنزيلات حقيقية .
وأضاف : بشكل عام تعتبر حركة السوق ضعيفة نوعا ما ولا سيما بعد الغلاء الفاحش الذي سيطر على الأسواق نتيجة رفع سعر الصرف وغلاء المنتجات التي تعتمد على المواد الأولية المستوردة كل ذلك ودخل المواطن الذي لم يعد يتناسب مع هذا الغلاء ولذلك يجب إيجاد علاقة توازن ما بين دخل المستهلك والأسعار، وهنا ندعوا التجار إلى أن تكون التنزيلات حقيقية وإعطاء فكرة سليمة للمستهلك عنها ، ورغم أن موسمها لهذا الشتاء قد انتهى إلا أن بعض المحال لازالت تقدم العروض للأسباب التي ذكرناها سابقا حول مراعاة الوضع المادي للمستهلك واستمرارية دوران رأس المال ، ولذلك نتمنى من التجارة الداخلية مراعاة هذا الوضع وعدم التشديد على التجار ومخالفتهم لعدم إنهاء موسم التنزيلات في وقتها المحدد 15-3 وذلك كي يتسنى للمواطن أكبر عدد ممكن من الفرص لتأمين مستلزماته ،ونحن مع تشجيع البضاعة الوطنية وقمع ظاهرة الألبسة المهربة .
مخالفة للقانون
في لقاء لنا مع المهندس رامي اليوسف مدير التجارة وحماية المستهلك حول دور المديرية في موسم التنزيلات فقال : بدأ موسم التنزيلات لهذا الموسم من 15 ـ2 ولغاية 15 -3 وخلال هذه الفترة يقوم أصحاب المحال التجارية بعرض بضائعهم وبتخفيضات محددة تتراوح ما بين 30 -40-50-60- % .
أما من يقوم بهذه التنزيلات خارج هذه المدة – قبل أو بعد – يعتبرا مخالفا ، ولذلك تقوم مديرية التجارة بجولات على كافة الأسواق لقمع المخالفات ، وتم حتى تاريخه تنظيم ( 12 ) ضبطا ، وهذه الضبوط تحال للقضاء المختص ولا تجرى عليها مصالحة مادية .
تحقيق:منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار