شاعرة الأحلام

كان اسمها يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي , ولاسيما تلك المواقع المخصصة للنوادي الأدبية والثقافية وتحمل أسماء , كانت صورتها تجذب النظر : صبية ذات وجه واسع مدور , كرغيف الخبز الناضج الخارج لتوه من تنور ريفي , عينان خضروان وشعر أشقر , باختصار , حتى لا أطيل عليكم , صورتها تجعل قلبي يهتز وروحي ترقص على الرغم من أنني في مرحلة الكهولة .. أي أنني أكبر ( شاعرة الأحلام ) كما كان اسمها على الموقع بأكثر من ربع قرن .

كنت أقرأ ماتنشر على صفحتها وعلى صفحة ( النادي الجديد ) وأقرأ التعليقات التي كانت تنهال على كتاباتها الشعرية من كل حدب وصوب , تحمل الإعجاب والدهشة مثل :

شاعرة الأحلام .. أنت شاعرة الدنيا …!!

اليوم نستطيع أن نقول لدينا شعر جديد مدهش ..!!

يا لكلماتك المبهرة وحروفك الساحرة .. وصورك الجذابة!!

صار لدينا خنساء جديدة ..!!

لم أعلق بشيء على ما أقرؤه لها

وجاء ذلك الصباح الذي وصلتني فيه دعوة ( شاعرة الأحلام ) إلى صفحتي على الفيس بوك , تدعوني لحضور حفل توقيع ( ديوانها الجديد ) كما تقول بطاقة الدعوة , والمكان المركز الثقافي في المدينة ومن سيقدم القراءة النقدية للديوان هو ناقد معروف ..!!

يزدحم رأسي بالأسئلة : هل أذهب أم لا أذهب ؟ وهل من اللائق ألا ألبي الدعوة , وأنا الصحفي الذي يدعي وقوفه إلى جانب الأقلام الموهوبة ؟! ولكن ما الذي سيقوله صديقي الناقد عن الديوان ؟!! فالقصائد التي تنشرها ( شاعرة الأحلام ) ليست سوى خواطر تكتب مثلها وربما أفضل منها طالبة في المرحلة الإعدادية ؟!!

أقول في نفسي ، سأذهب وأمري لله ، فربما كان الديوان المحتفى به يستحق الاهتمام من القراء والنقاد .. ربما من يدري ؟!!. وأقنعت نفسي ألا أحكم على الديوان المحتفى به قبل قراءته أو سماع بعض قصائده التي ستلقيها صاحبته في الحفل ,ويدعم هذا القرار أن الناقد المعروف الذي سيقدم القراءة النقدية ،رزين وموضوعي كما كنت أراه .

في القاعة الكبيرة ثمة سلات للزهور بكل الألوان وعلب بأحجام متنوعة عليها أسماء أشهر محلات الحلويات في المدينة .

اندفعت صبية في العشرينات من عمرها نحوي ،و صافحتني بحرارة معتبرة أن حضوري فخر لها ( ولا أدري لماذا ؟!!) فأنا صحفي معروف وأكتب النقد الأدبي , لكن ما أدهشني هو أن ( شاعرة الأحلام ) هذه ، لا تشبه أبداً تلك على الفيس بوك , هذه فتاة سمراء ، قصيرة القامة وجهها صغير وعيناها عسليتان وشعرها قصير أسود مجعّد  غير أن عنقها مثقل بالعقود ومعصميها مثقلان بالأساور الذهبية .

قرأ الناقد مطالعته حول الديوان المسمى ( متى تأتي ؟!) وبدأ بقراءة الومضة الأولى ، كما أسماها ومنها :

/ يا حبيبي انتظرتك حتى الموت

.. انتظرتك الأسبوع الماضي ولم تأت

وانتظرتك البارحة ولم تأت

أنتظرك ..
فمتى تأتي ؟!!/.
تصفيق حاد حصل بعد قراءته لهذه ( الومضة ) .
لم أفهم رؤية الناقد لقصائد الديوان …كان غامضاً … وبعدما فرغ من كلامه انبرى عدد من الحضور وقال أحدهم :
-اليوم عيد الشعر .. هذا هو الشعر الذي ننتظره من زمان بعيد ..!!/

وقال آخر :

-حسنا إن هذا الديوان جاء قبل يوم واحد من العيد العالمي للغة العربية ..!!/
وقال ثالث بصيغة الجمع :
/نعتب عتباً شديداً على وزارة التربية لأنها لم تدرج في منهاج اللغة العربية بعضاً من شعر

( شاعرة الأحلام ..) …!!.

لقد أعمل المتحدثون سكاكينهم تقطيعاً وذبحاً باللغة , فجعلوا الفاعل منصوباً ، والمفعول به مرفوعاً ، والمجرور ساكناً , هنا تخيلت أن أبا الأسود الدؤلي يقتحم المنصة ويشتم بلغة فصيحة كل من يعتدي على اللغة المقدسة التي أمضى عمره في خدمتها …!!.
تحركت من مكاني .. أريد مصافحته وتقبيل جبينه ، لكن أبا الأسود اختفى .

خرجت متثاقلاً من القاعة التي فيها هرج ومرج وحلوى وزهور … كدت أقع على الأرض..

متوجهاً إلى منزلي .. بينما سمعت مقدمة الحفل تدعو “الحضور الجميل”

كما تقول إلى مطعم قريب فاخر …!!

عيسى إسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار