تحية الصّباح.. المرء والشّرط النّمائي

بدهي أن لكل مرحلة تاريخية , أكانت ذاتية تخص المرء نفسه أم موضوعية ترتبط بالواقع الموضوعي المعيش تعاقب أزمنة , وتدرج صروف و ظروف , وحيثيات أمور … بدهي أن تتدرج الفروق الفردية في ما بين الناس , تبعاً لمعطى التلقي , وحال الاستجابة , وتمايز التفضيل الجمالي وفق المرء ذاته في شرطه النمائي ومتسع العلم والتعلم , والخبرات والمهارات وكيفية تحقيق الكفاءة والكفاية معايشة لمحاكاة واقع بالمعنيين المعرفي والسلوكي , أو توازن انفعالي , قوامه إدراك بيّن , يعززه جهد يرتبط بالتنشئة , وخبرات التربية , والمواقف الحياتية و آليات التكيف , وغنى معارف وخبرات ومهارات ما بين ذاتية في تحصيل ودربة , و أخرى عامة هي زاد جمعي , ورحابة استقراء موضوعي له محكاته القائمة على مؤشرات معرفية و أخرى مهارية بنيوية تترافد في ما بينها , وتتعاضد مع غيرها , و إذا ما وجد بعض تباين , فلا يقلل في الأمر كثير شأن , بل نجد في التناقض أو التباين وفق دلالة سعة فهم متعقل غايته كل جمال يخدم كياسة وعي لقيمة مضافة , هي ربح آخر لتجربة إنسان إلى إنسان.

إن الإنسان يتماهى مع ظروفه , ومآل أمر إلى بعض وجهات نظر , أو رؤى , أو قناعات , ضمن شرطه النمائي يراها الأقرب إليه فيتمسك بها ويعتبرها حدوداً , وربما خطوطاً حمراء , ويرى آخر قرين أو تِربٌ له أنها ما بين بين , وهذا يرسم حدود الفروق الفردية التي مرجعيتها معارف وخبرات ومهارات قد توافرت له أو اجتهد بها من دون أن تتوافر لغيره , فتأخذ بعض الرؤى أو تلك التصورات وجهات نظر حيال أمر قراءات أعم و أشمل , ويكون ثراء لمعنى إضافي أيضاً , وثمة مَن تعطيه قدراته و إمكاناته , وجهود إضافية أوسعت له الحياة , أو الظروف , أو البيئة أو الكينونة الفطرية والاجتهاد المكتسب متسعاً لآفاق من إعمال فطنة , لكن ربما بمقاربات أدق في إعمال تفكير , وعصف ذهني واستقراء يتلوه استنباط ما يؤهله إلى استنتاجات تتجاوز الانكماش حيال فكرة بأنانية فهم مغرق في الفردية , أو إطلاق التعميم تاركاً للعلم والمعرفة والحياة الإنسانية , ولوعي الحياة في شمولية كينونتها مزيداً من نوافذ لنسمات طافحة بالكثير من قراءات أكثر انفتاحاً , واستنتاجات أشمل تسديداً في معالجة أمر , أو الحوار به أو الحديث فيه  ولربما الحدس أفضى إلى شرفات من استشرافات ببصيرة نافذة .. وهذه هي الحياة في تدرّجها , وهكذا الإنسان , ولا غرابة فالطبيعة مرآة فروق في تضاريسها فذروة الجبل علو و إطلالة مدى , ونقاء نسيم , على أن السهل المنبسط سماحة خير , واكتناز زروع , وجنى مواسم , وفرح غلال..

أياً كان الإنسان في واقع ذاته امتلاء معارف وخبرات ومهارات تسلسل شروط نمائية تحاكي أعماراً , أو بعض تمايز في فروق فردية فبدهي أن تتعثر أو تحرج , أو تتوه هنيهة , ولربما تتيه جراء فراغ في ضعف فترانا نسعى إلى تعويض , توهماً أننا نؤكد ذواتنا أكثر ولربما مسوغ ذلك يعود إلى الطبيعة غير المروضة التي تسكننا طفولة وانكسارات و أحلاماً , وآمالاً وغُداً في فجاج المجهول … أجل بدهي نحس دون خطل في فتور عزيمة أو خفر في انتباه فالمرء نتاج زحام أو ركام تحديات و أزمنة , وخاص و عام وكينونة وجود فردي وجمعي في آن  وثمة عوامل كثيرة ما بين نجاح وتمييز في مكان , وخيبة وانكسار في مجال أو مجالات أخرى  ولعل الظرف بشكل عام قد يكون الرحم في تميّز لافت , و أحياناً يسبق جهد المرء في مَن جد وجد , ذو حظ هزجت له الأيام , واحتفى به الزمان بقليل جهد , لكن بكثير حظ وإذا ما انفلت من عقال المرء بعض ما يأمل وقد ضاقت به بعض سبل , وتجافت عنه محفزات فحسبه ما يحفّ به من ظروف , إذ لا شك أن ما تحتضنه الأيام وتتمطى به السنون واقع إدراك لدلالة المرء أمام نفسه والحياة والشرط النمائي في تمثّل خبرات أو حدس في سانحات تجود في مغانم النفس  و إذا ما كان ثمة غض طرف من تجاف هنا أو هناك ما بين إنسان وظروف و آمال ومعطيات فأمر بدهي أن يلتفت إلى دلالة الشرط النمائي في قراءة واقع مآل , وأنه من البديهي أنه هكذا كان .

نزار بدّور

 

المزيد...
آخر الأخبار