من منا لا يعر ف ممدوح السكاف صاحب الوجه البشوش والقلب الكبير والابتسامة التي لاتفارق وجهه الشاعر ، الباحث ، الناقد ، الإنسان الذي لا يشبهه ، المعروف في دقته ودماثة خلقه وتعامله الأخلاقي الراقي .. ممدوح السكاف الذي عرفناه وتعرفنا عليه لم يكن ليغادرنا طواعية ، بعد أن حوّل الابتسامة إلى دمعة تتحجر في الأحداق حزناً على ألم الفراق على رجل استثنائي في هذا الزمن الصعب الذي قلما نجد أمثال هؤلاء الأشخاص الذين تشعر بأنهم لا بد أن يتركوا أثراً في كل من يلتقونه حتى لو كان اللقاء خاطفاً ولمرة واحدة …
ممدوح السكاف الذي عرفه أدباء ومثقفو حمص خلال عمله في اتحاد الكتاب العرب لمدة خمسة وعشرين عاماً مثل الساعة في انضباطه وعمله الذي أصبح مضرباً للمثل في العمل الإداري ، فخلال تلك السنوات كان مرجعاً في معظم الأمور التي تخص اتحاد الكتاب فإذا ضاعت وثيقة أو كتاب أو تعميم يخص الاتحاد العام يجدون نسخة منها في فرع حمص للاتحاد ولم تقتصر المسألة عند الورقيات بل امتدت إلى قضايا أخرى لها علاقة بالآداب والثقافة ، فقد كان رحمه الله راعياً حقيقياً لكل المواهب الأدبية ولا يقتصر دوره عبر تنظيم المسابقات السنوية التي كانت تقام في الاتحاد بل إن ذلك يتعدى إلى احتضان تلك المواهب وتقديمها على منبر الاتحاد ولعل المسألة لا تختص بالواجب وبالأصول فقط بل إلى أبعد من ذلك بشكل يشعر الأدباء والشعراء أنهم محاطون برعاية حقيقية لا ترسمها التعاميم ولا القرارات بتلك الرعاية الممنوحة لهم .
خلال معرفتي بالراحل أجريت معه عدة حوارات نشرت في أكثر من وسيلة إعلامية وكانت حوارات هامة ولا أقول أنها عادية وذلك لأن الشخص الذي نحاوره شاعر وباحث وناقد قدّم الكثير الكثير ليس للمكتبة العربية فحسب بل للإنسانية جمعاء شعراً يرتقي بالحالة الإنسانية إلى عوالم جميلة تشبه روحه التي كان يعبر عنها بالكلمات شعراً حيناً وبالنثر حيناً آخر…
بعد تقاعده من عمله في المكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب كانت لنا لقاءات كثيرة في مقر جريدة العروبة حيث كان يزور الجريدة أكثر من مرة في الأسبوع نتجاذب أطراف الحديث على فنجان قهوة ، كانت الأحاديث تتشعب في كل مرة وفي معظم الأحيان كانت تشاركنا الجلسة القاصة ابتسام نصر الصالح التي كانت تفرح بتلك الأحاديث ، وكانت تقول لي في بعض الأحيان لماذا لا نستثمر تلك الجلسات ونقوم بتسجيل تلك الأحاديث فهي نبع لا ينضب , أحاديث ممتعة كانت تتناول رحلته وعلاقته مع الأدب والأدباء وكتاباته النثرية المختلفة وبعض الشخصيات الهامة التي عاصرها والأمسيات التي حضرها في شبابه لكبار الشعراء وخاصة أمسية كانت محفورة في ذاكرته وكأنها حصلت بالأمس هي أمسية للشاعر محمد مهدي الجواهري وأمسيات أخرى لشعراء عرب آخرين مروا خلال مسيرته الإبداعية .
لم أكن أفكر حين ذاك أنني ألتقي الشاعر ممدوح السكاف فقد كنت أجهز لحوار معه وكنت في كل جلسة أقتبس بعض النقاط والمحاور التي يمكن أن تكون مفاتيح لحوارات قادمة تكون مرسومة لسؤال وجواب وليس أحاديث تتناول تداعيات وعلاقات وأحداث كان يتحفنا بها الأستاذ السكاف .. ولكن وللأسف كل تلك الأمور التي كنت أجهز لها لم أستطع ترجمتها وتنفيذها لأن صديقنا الراحل فاجأني بأحد الأيام بأنه لن يبقى بحمص وسيغادرها خلال ساعات قليلة وجاء كي يودعني ليسافر إلى الأردن حيث يقطن ابنه الأوسط الذي يعمل هناك لأن الحياة أصبحت جد مرهقة له بعد أن تم تهجيره عنوة من بيته بالقرب من مساكن المعلمين من قبل العصابات الإرهابية وتهدم بيته وتنقله بالعيش في أكثر من مكان حيث سكن في البداية في منطقة دروشا بدمشق بعد تهجيره من بيته في حمص ،ولكن تلك المنطقة أصبحت فيما بعد غير آمنة فاضطر للعودة إلى حمص وسكن في حي المحطة ومن ثم انتقل إلى حي الغوطة ومن منطقة الغوطة كانت محطته الأخيرة إلى الأردن حيث قضى هناك الى أن فارق الحياة وكانت نهاية الرحلة التي كنا نتمنى ألا تنتهي وأن يبقى بيننا ذلك الإنسان الذي ترك أثراً كبيراً في الحياة الثقافية بحمص وفي سورية .
الراحل ممدوح السكاف في المؤتمر الأخير لاتحاد الكتاب العرب الذي حضره تم اختياره ليكون رئيساً لاتحاد الكتاب العرب في سورية لكنه اعتذر عن المهمة.. لقد كان كبيراً في كل شيء ومتواضعاً وآثر أن يبقى رئيساً لفرع اتحاد الكتاب العرب بحمص على أن يكون رئيساً للاتحاد العام ..
ثمة الكثير من الذكريات التي تعبق بها الذاكرة عن الراحل ممدوح السكاف الشاعر والإنسان .. ماذا نفعل أمام قسوة الحياة .. هكذا هي وكما تقول فيروز :” ماتاري الأحبة ع غفله بيروحوا ومابيعطوا خبر “…
رحمك الله يا أبا رضوان وأسكنك فسيح جناته ..
المزيد...