يتسمُ شعر الشاعرة هيام الأحمد بالشفافية والسلاسة ، فقصيدتها تنساب انسياباً تجعلك تسير معها من دون أن تشعر بالتعب أو الملل ، بل هي تنقلك عبر ضفاف وآفاق ساحرة لا تشعر بحركة انتقالها إلا عندما تبلغ مرحلة السكون ، فتعلم أنك انتهيت من رحلة القصيدة التي تأخذك إلى عوالمها التي تتفيأ ظلال الرومانسية المتصوفة التي تحترق في أتون حروفها ، وهي تتواشج في عناصر من طبيعتها الأنثوية التي تنفتح على أكثر من فضاء ، فلغة الشاعرة : هيام الأحمد تسعى في أقبية الروح ، وهي تُفتّش عن دلالاتها المتجدّدة التي تفرد لها أجنحة من الخيال ، وريشاً من الواقع، فتتساوق لديها المفردات مثلما تتلاحم التراكيب في أسلوب من التنميق الذي يزداد ألقه ببريق العفوية والصدق في البوح و التعبير ، فقراءة قصيدة للشاعرة تجعل المتلقي يهيم في عوالمها التي تتوزع في أقانيم الحب والطبيعة والإنسان تلك الأقانيم التي تجد فيها نفسها شمعة تضيء ظلمتها ، ففي حديثها عن الذات تبرز ذات الشاعرة من خلال علاقتها بالآخر الذي يُمثّل لها البعد الآخر المُكمّل لها في مسار الحياة عبر ثنائية الوجود تقول :
أسائلُ في ليالي الحزن نجماً
ضياء البدر شعشعَ أم سناكا
يجيبُ وقد تملَّكهُ جنونٌ
أما في العشق مجنونٌ سواكا ؟
بلى أهوى النسائمَ حين رفَّتْ
تداعبُها بـرفـقٍ وجـنتاكا
وقد اعتمدت الشاعرة على وسائل في أدائها التعبيري التي جعلت من قصيدتها ذات خصوصية وميزة فارقة ، وسنبين أبرز السمات الأسلوبية التي اعتمدت الشاعرة عليها في تشكيل قصائدها ، ومن تلك التقنيات :
أولاً ــ أسلوب التكرار ، والتكرار في الشعر : ( سمة كالجوهر ملازمة ، ومظهر كالركن دائم لا يستقيم قول شعري إلا به ، ولا تتحقق طاقة شعرية دونه ، ولا يصلح للقصيد نسب إلى الشعر إلا بتوفره ) ، وقد رأى لوتمن : أن البنية الشعرية ذات طبيعة تكرارية حين تنتظم في نسق لغوي ، والتكرار ليس الهدف بحد ذاته ، وإنما جمالية التكرار تتأتى من أسلوبه ، وقد أشار بالي إلى أهمية هذا الجانب في اللغة عندما فهم الأسلوبية على أنها علم الوسائل اللغوية من زاوية نظر وظيفتها الانفعالية والتأثيرية.
ويكون التكرار حسب عمر البغدادي بأن يكرر المتكلم اللفظة الواحدة باللفظ أو المعنى ، وسننظر في شعر الشاعرة : هيام الأحمد من خلال نوعين من التكرار هما : تكرار الحرف ، وتكرار الكلمة .
أولا تكرار الحرف : وهو من ( أبسط أنواع التكرار أو أقلها أهمية في الدلالة) وعلى الرغم من قلة أهمية التكرار الصوتي إلا أنه يشكّل : ( صيغة خطابية رامية إلى تلوين الرسالة الشعرية بمميزات صوتية مثيرة هدفها إشراك الآخر المتلقي في عملية التواصل الفني ، ولذلك يُعدُّ التلازم الحرفي من أعم خصائص الخطاب الشعري في البنيات التشاكلية ،فهو وفق هذا التصور يعمل على: (تهيئة السامع للدخول في أعماق الكلمة الشعرية ) ،
نلحظ أن تكرار الحرف في شعر الأحمد يأتي وفق انسيابيّة موظّفة ، ومن الملاحظ تكرار حرف الراء في أغلب قصائدها ــ في حدود اطلاعي ــ ومن ذلك ما نجده في قصيدتها الرائية التي تتحدث فيها عن اللغة العربية المميّزة التي تنم ُّ عن شاعرة تهيم باللغة ، وقد تجلّى ذلك الهيام سبكاً ولغةً ، وإيجازاً في توصيل المعنى ، ومن أبياتها في القصيدة تقول :
مالت عليَّ وقدُّها الأزهارُ
والخدُّ نورٌ ضمّهُ النّوَّارُ
الله يا لونَ السّماءِ بثغرِها
لو تمتمَتْ منها الحروفُ تغارُ
لغتي وما في الكونِ مثل جمالِها
من أيّ مسكٍ صاغَها العطَّارُ؟!
ويبدو ذلك أيضا في قصيدتها التي اتخذت من حرف الراء روياً لها ، فقد تكرر أربع مرات في بيت واحد ، كما تكررت كلمة دمار ثلاث مرات ، وتكرر في البيت التالي ، و لم يخلُ , بيت منه في هذه القصيدة التي تقول فيها :
بلادي والحروبُ تعيثُ فيها
دمـارٌ في دمـارٍ في دمـار
وكفُّ الحربِ لو رقّتْ لحالي
تصـبُّ على جـراحي زيتَ قارِ
فـآهٍ ثـمَّ آهٍ ثـمَّ آهِ
لعلَّ الآهَ تُطفىءُ بعض نارِ
إنَّ المتمعنَ في قصائد الشاعرة هيام الأحمد يجد متعة في قراءتها التي لا تحتجب خلف رمز ، أو تختبىء وراء ضبابية دلالة ، بل هي تُسلّم نفسها بحبّ لا تتملك النفس إزاء هذا التسليم إلا أن تحتضن تلك القصيدة التي تنبض عذوبة ، وتترقرق منسابة كجدول صفت مياهه ، وقد تملكتك الرغبة في أن تنهل منه ، فلا تكاد ترتوي من شرابه .
د . وليد العرفي
المزيد...