من دواعي سروري …أن يصدر كتاب يوثّق علاقة الأمير الشاعر أبي فراس الحمداني المتجذّرة ببلدتي (صدد) منذ ألف عام ويزيد… فالكتاب الجديد للشاعر الباحث طادروس طراد “أبو فراس الحمداني من الصدر إلى القبر ومصرعه في صدد” أزال عن كاهلي هاجسا يؤرقني ، منذ عزمت على هكذا فكرة ، حين وضعت 2016 مخططا للبحث ،وكتبت في حينها مقالا “أنا والأمير” في جريدة صوت العروبة الاغترابية ، أردته مسوّدة لمقدّمة تمهيديّة ، لمشروع شغلتني عنه مخطوطات ،وكتابات ومقالات آنية…
والكتاب أدى غرضا ملحّا.. وهو تعريف الكثيرين أن مثوى أبو فراس الحمداني في صدد …فكثيرون لا يعرفون هذه المعلومة ومنهم الأديب الشاعر عادل محمود إذ لم يعرف أن مثوى أبو فراس كان في صدد حتى 2010 حين جاءها مشاركا في مهرجان عراقتها – ..ما يعني أنه يوجد تقصير … خاصة بعد نقل الرفات إلى جانب قلعة حمص في آذار 1997. و لفتتني إشارة المؤلّف، إلى خلوّ اللوحة التذكاريّة على ضريحه قرب القلعة ، من ذكر صدد مكان مصرعه ومثواه لأكثر من 1000عام …
و اللافت في الكتاب أيضا ، غلافه الأنيق المعبّر ببساطة ، وهو من القطع المتوسط ( 104) صفحة ، وشمول موضوعاته عوالم الحمداني ، وصولا إلى غاية الكتاب ،ما يجعله سهل التداول ، والاطلاع ، وهو الثاني بعد كتابه- صدد في الماضي والحاضر- 2016 ووثق فيه أيضا دفن الحمداني في صدد …
تضمن الكتاب ، مراحل حياة الشاعر الفارس ، ومقتبسات كثيرة من شعره عبر مقدمة و 11 فصلا ، طالعنا الكتاب بما يكفي لمعرفة القارئ ، بجوانب حياة الحمداني القصيرة (37 عاما ) منذ ولادته في الموصل من أمّ روميّة ثم يتمه ، ونشأته في بلاط وكنف ابن عمه ، وزوج أخته سيف الدولة الحمداني ، مرورا بإمارته على منبج ,وأسره لدى الروم ، ثمّ طموحه الذي قاده إلى مصرعه ، ودفنه في صدد ، على يد قرغويه قائد جيش ابن أخته أبي المعالي بن سيف الدولة أمّا إهداء الكاتب طراد إلى الأجيال القادمة ، فينطوي على أمل بالحفاظ على التراث … أمل أحسبه المحرّض على جهده وتقصّيه المعلومات وإثباتها مفصّلة في سياق مباحثه ، وهي مستقاة من 75 مرجعا عربيّا وأجنبيّا ولعلّ غوصه في بطون هذه المصادر مكّنه من إنجاز بحثه التاريخيّ – الأدبيّ هذا على نحو موثق بالتواريخ والأحداث ، فضلا عن نماذج شعريّة متصلة بها ، ممّا فاضت به قريحة من صار ملك القصيد …فبحسب الصاحب بن عباد أنه ” بدأ الشعر بملك وانتهى بملك” وهو يعني بدأ بامرئ القيس وانتهى بأبي فراس الحمداني …
الملفت تأكيد المؤلف على ضرورة إقامة نصب تذكاري في صدد ، حيث جاء في مقدمة كتابه “لماذا لم ٌيقم ضرٌيح أو نصب تذكاري، يٌلٌيق بهذا الشاعر الأمٌير الفارس ؟على أرض صدد التي استشهد فيها”…
و أشار المؤلف إلى ما تركه نقل الرفات إلى جانب قلعة حمص ، من تأثّر وأسى في نفوس أهل صدد حين (( أحسّوا أنهم فقدوا جارا عظيما ورمزا كبيرا …ص١١))…/” فكيف “عصيّ “الدمع” تجلو رفاته وفي أرضنا السمراء تضّوع العطر… أُينزع عن ساح الأبّيين فارس ونحن له الأهلون، والبيض والسمر عتابي على الأصحاب… ففي “صدد” السمحاء، قامت قبابه ومصرعه فيها، وفي تربها التبر/ ص ٩١…
الجدير ذكره أن حسرة جماعية صاغها أيضا الشاعر حنّون ” أبو طلال” في قصيدة مطوّلة ، نشرتها جريدة العروبة ، بعد 4 أيام على نقل الرفات و جاء فيها: / إنّ ركب الأمير ينوي رحيلا فاحضنيه يا عين بالأهداب… أين أزمعت يا أمير فمهلا أمللت المقام بين الصحاب؟/.
سعدالله بركات