إنها المأساة نفسها تتكرر على مدار العام في القرى البعيدة ذات الطبيعة القاسية التي اعتاد أهلها على التشاؤم من إيجاد حل لأزمة المياه الخانقة بعد أن قامت مبادرات خيرة للحل لكن دون جدوى ،فقد تفاقمت الحال مجبرة الكثيرين على شراء المياه من الصهاريج بأسعار خيالية مستغلين أصحابها حاجة الناس للمياه الذين باتوا ينظرون إلى خوابيهم الفخارية بحسرة بعد ما كانت ترتع بمياه النبع البارد ليستبدلونها اليوم بعبوات بلاستيكية… ألا يكفيهم غلاء المعيشة بشكل عام و الذي لم يترك بيتاً إلا و دخلت الحاجة إليه…
فالفلاح الذي كان يربي الدجاج البياض و المواشي ليتغذى من إنتاجها و ليبقي سفرته عامرة بالبيض و الألبان و الأجبان و الزبدة و غيرها مما كان يسيل لعاب الضيف القادم من المدينة… بات يقايض إنتاجه باحتياجات أكثر ضرورة من دقيق و سكر و شاي و صابون و منظفات … حتى خرافه و أبقاره التي رباها بدأ اليوم يبيعها متردداً لأنه يريد التخلص من عبء شراء العلف و الماء لإطعامها و إروائها بعد أن بخلت الطبيعة بمياهها و أعشابها يبيعها للتجار الذين تعودوا على مساومة الفلاح الفقير في شروط مجحفة لكنه يضطر للرضوخ تحت ضغط الحاجة بنظرة وداع إلى دوابه التي كانت تتغذى على مخلفات حواكيره و بساتينه الصغيرة بأنواع من الخضراوات ، والتي بدورها تفتقر للسقاية حتى ينضج زرعها لتبدو الأرض جرداء بعد أن كانت تختال ضاحكة بالخضرة فبات المزارع اليوم محملا بأسى رحلته الطويلة يحن إلى أيامه الخوالي بعد أن بدأت فأسه تتلاعب أيضا بأشجار حقله الجافة و اليابسة لتقتلعها و لتستقر خانعة في مدفأة الحطب الملاذ الآمن ضد هجمات البرد الشتوية القاسية ..
عفاف حلاس