«رمضان» في حمص بين الماضي والحاضر ..د. بيطار:عـــادات انـدثرت وأخـرى استمـرت

تتوهج الذاكرة بصور العادات والتقاليد التي ارتبطت بشهر رمضان المبارك في الماضي والتي طغى على الكثير منها اليوم مظاهر الحداثة والتهجين، ولم يعد في شباك الذاكرة منها إلا النزر اليسير.

لرمضان تقاليد إيجابية كثيرة تعود عليها المجتمع الحمصي منذ مئات السنين ، وتفاعل مع المستجدات التي مرت على حمص ، ورغم الظروف الاقتصادية والمعيشية والأمنية السيئة التي عاشها السوريون منذ بدأت الحرب على سورية ، إلا أن الكثير منهم يحرص على التمسك ولو ببعض العادات الرمضانية  التي توارثها لسنوات طويلة. وبعض تلك العادات تعد طقوساً عامة وأخرى طقوسا خاصة ببعض العائلات أو المناطق.

عن التقاليد الرمضانية والمعاني الإنسانية لهذا الشهر الفضيل، التقينا الدكتور عبد الرحمن بيطار – رئيس الجمعية التاريخية في حمص الذي قال:
تتشابه العادات والتقاليد الرئيسية المميزة لشهر رمضان في كافة المحافظات السورية وبلدان العالم الإسلامي حيث تبدأ بترقب أول أيام رمضان والاستعداد له بتحضير أنواع من الأطعمة التي تتناسب مع الصيام ، وعندما يتم تحديد بداية الشهر يتم إطلاق المدفع وهذا التقليد متوارث منذ مئات السنين وكان يطلق بداية من القلعة ثم انتقل إلى الملعب البلدي ولم تتوقف هذه العادة إلا منذ سنوات .
وهناك ما يعرف بليلة رمضان وهي الليلة التي تسبق الصيام ويسارع الناس لشراء الأغذية والأطعمة وبعض الأسر تقوم بتجديد لوازم البيت وأشياء خاصة كالفوانيس ولكن توقفت الكثير من هذه العادات .
القنديل والمدفع
وأضاف : في أوقات المغرب كانت تضاء القناديل فور حلول وقت الإفطار ولكن لعدم وضوح رؤية القنديل آنذاك كانت ترفع راية حمراء في الجامع الكبير بحمص ـ على سبيل المثال ـ ثم لما عمت عادة ضرب المدافع خلال الاحتلال العثماني ـ بدأ إطلاق مدفع واحد وقت الإفطار واثنين وقت السحور، الأول للاستيقاظ والثاني للإمساك عن الطعام، وقد استمر إطلاق المدافع الحقيقية حتى بداية الستينيات من القرن الماضي… فصوت المدفع إثبات لهلال شهر رمضان المبارك يترقبه الناس بلهفة وشوق، وما إن ينطلق المدفع في سماء المدينة، حتى تعم الفرحة والبهجة وتبدأ احتفالات الكبار بشراء لوازم السحور والفطور وما لذ وطاب، أما الأطفال فيرقصون ويبتهجون ويغنون في الشوارع ، وكان إطلاقها يمثل متعة حقيقية وكبيرة للأطفال الذين يتجمعون حول المدفع بهدف الفرجة على كيفية تلقيمه بكيس البارود ثم حشوه بالخرق، ومن ثم إشعاله عند رؤية الراية الحمراء….
وكانت تضاء القناديل في المساجد في ليالي رمضان احتفاءً به من لحظة آذان المغرب وحتى الإمساك.
في رمضان، تكتظ الأسواق في معظم المدن والبلدات السورية بالباعة والمشترين خلال الساعات التي تسبق موعد الإفطار، ليعمّها السكون خلال اجتماع العائلات حول الموائد. وتعود تلك الأسواق لتنتعش من جديد بعد صلاة العشاء، وتستمر كذلك حتى ساعة متأخرة من الليل. ويعود الناس إلى الأسواق ومحلات الألبسة والمقاهي. فالكثيرون يفضلون التسوق في هذا الوقت، أي بعد الإفطار. حينها، تكون درجات الحرارة أخفّ وطأة من النهار الحارق.
مأكولات رمضان
وتابع د. بيطار : كان الرجال يتجولون في الأسواق للتزود بلوازم الإفطار،وكان سطل العرقسوس بحمص يختص به أبو الحاج السواس، حيث يوضع في دكانه وعاء كبير أو ما يسمى بالصدر وفيه صرة من الخيش مليئة بالعرقسوس المطحون، ويصب الماء على الصرة لحل المنقوع الذي يسيل من الصدر إلى حلة كبيرة.. وكان الحاج يعيد هذه العملية مرارا..
بائع العوامة: وتسمى بحمص الفواشات أو المشبك حيث يغلى الزيت في قدر كبير ثم تقذف إليه قطع العجين حتى تتحول إلى لون ذهبي لتقذف من جديد إلى حلة كبيرة مملوءة بالقطر.
أما بسطات الأسواق كبسطات الخبز المعروك ومطاعم أو بائعي الطعام المطبوخ و خاصة قدور المحشي وتلال الجبس والبطيخ الأصفر فكلها لا تزال موجودة حتى وقتنا الراهن…
موائد رمضان: كانت تقام في الساحات أمام المساجد أو حول الجدار الخارجي له (على نفقة أهل الخير) وهي عادة قديمة ربما بدأت في العصر المملوكي أو بعده لأن ولائم رمضان كانت قبل ذلك تقام في بيوت أصحاب الخير.
جرار الماء المطيبة بالمسك والفل: كان الوجهاء والميسورون يحرصون على تواجد التمر في المساجد القريبة وفي مساجد الحي، حيث تملأ صحون كبيرة به، وتوضع على أطراف المساجد وأيضا كانت تسند جرار الماء الكبيرة على الحائط الشمالي لمسجد «خالد بن الوليد” بحمص .. وكان أهل الخير يطيبونها بماء الزهر، أما لو أتى رمضان في موسم الفل فإنها تطيب به (هذا ما كان في بلاد الشام) أما في بلاد الحجاز فكان الماء يطيب بالمسك.
الأكلات الرمضانية الدائمة: مثل الفول، الحمص، المكدوس، الفتات، المحاشي، الكبب، التمر، قمر الدين، الحساء، السمبوسك باللحم أو بالجبن وفي الصيف أشربة ومأكولات خفيفة كالعرقسوس، منقوع قمر الدين، التمر الهندي، التوت الشامي، السلطة، الفتوش، التبولة، بابا غنوج وللحلويات أنواع كثيرة لا تزال منتشرة حتى الآن كالناعم، الوربات، الكنافة، المشبك، المعمول، القطايف، البقلاوة .
ليالي رمضان
بعد الإفطار يذهب الرجال لصلاة العشاء والتراويح، ثم يعودون إلى منازلهم للسهر والتسلية وتناول المأكولات الخفيفة من مكسرات، زبيب، فاكهة وحلوى.. وكان يحلو السهر والسمر ببعض الألعاب وغناء المونولوجات الشعبية وقول المساجلات الشعرية والأمثال ورواية الأحاجي…
وقد اعتاد عدد من الناس ارتياد المقاهي الشعبية ولعبة الدومنا وهي أقدم من طاولة الزهر، وتدخين نفس عجمي أو لف التتن .
أما الحكواتي فلم يكن يخلو مقهى منه وكان يروي السير الشعبية.. وأيضا كان لعروض كراكوز وعواظ نصيبها في المقاهي وفي اهتمام الناس، وعدا ذلك فقد تميزت السهرات الرمضانية الحمصية بإنشاد المدائح والقصائد الدينية والمواويل والأهازيج والقدود .
المسحراتي وطبلته
وللمسحراتي بطبلته وعصاه وصرته طقوسه ومن أشهر ما كان ينادي به ..
« يا نايم وحد الدايم»
«وحد مولاك اللي خلقك وما بينساك »
وأحيانا كان ينادي صاحب الدار باسمه وللنداءات مكانها ووقتها منها مدائح نبوية وأشعار، وفي أحيان أخرى تغلب عليها الفكاهة.. وأحيانا يندد بالبخيل ويمدح الكريم.
وعن تعلق الأطفال بشهر رمضان قال : عادة ما يكونون في مقدمة المتسحرين حتى من لم يتجاوز منهم السادسة من عمره وقد يغضب إذا لم يوقظه أهله على السحور ويعدهم بأنه سيتابع صيامه حتى درجات العصافير إلى ضحى اليوم.
وبعض الأطفال يقرر أن يصوم درجات الحمام حتى وقت الظهر والقليل منهم سيصومون درجات الغزال حتى وقت العصر، ومن يصمم أن يتابع صومه حتى أذان المغرب كالكبار سيحتاج إلى عناية خاصة ومركزة من تأثير الجوع والعطش. 
العزائم وصلة الرحم
من الطقوس التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا هي العزائم والدعوات بين الأقارب على الإفطار» عزيمة رمضان « وفيها نوع من التآلف وزيادة الروابط الأسرية وتوطيد العلاقات الاجتماعية .
الأيام العشرة الأخيرة من رمضان
وفيها يبدأ المؤذنون بتوديعه بأناشيد دينية وقصائد تذكر بأفضاله.. ثم تبدأ الاستعدادات للعيد بفتح الأسواق حيث يصبح الليل كالنهار… إلى حين ثبوت العيد.. إضافة لظاهرة حمام العيد حيث يخصص للنساء من فترة الظهر حتى المغرب..
أما دكاكين الحلاقة فتزدحم بزبائنها من الرجال قبل العيد بأيام.. وتنشغل السيدات بصنع حلويات وأطباق العيد..
وفي ليلة الوقفة توضع الحنة على أيادي الأطفال وخاصة في الأرياف، ولشرائح أخرى من الناس لياليهم مثل ليلة سهر الخياطين حيث يمتد سهرهم لإنجاز ملابس الزبائن وللأطفال أيضا ليلتهم حيث ينشدون ويرددون أنشودات مشهورة خاصة بالعيد ولا ينامون إلا و ملابسهم الجديدة بجانب فراشهم.. في حين تنشغل الأمهات بترتيب وتنظيف المنازل وكي الملابس..
ما بعد الحرب
في السنوات الماضية ومن مفرزات الحرب التي مرت على البلاد توقفت عادات كثيرة كانت مستمرة حتى فترة قريبة ، وضعفت العلاقات الاجتماعية وقلت الزيارات مع بقاء بعض ملامحها بحسب الظروف الصعبة والأخطار المحيقة ، ولكن مع عودة الأمن والأمان بدأت هذه العادات بالعودة رويدا إلى مدينتنا الطيبة – حمص العدية أم الحجارة السود .
وأضاف : لقد أثرت تقدم وسائل الاتصال من تلفزيون ونت وأجهزة حديثة على مجتمعنا وعاداتنا وكان لها الأثر الكبير بتغيير الكثير من العادات ولكن بنفس الوقت أفرزت عادات جديدة تتناسب مع عصر السرعة والتطور الذي لابد لنا من التعامل معها ولكن علينا استخدامها لمصلحتنا وما يحقق راحتنا وسعادتنا .
منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار
في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة "محامو الدولة "حماة المال العام يطالبون بالمساواة شراء  الألبسة والأحذية الشتوية عبء إضافي على المواطنين... 400ألف ليرة وأكثر  سعر الجاكيت وأسواق الب...