الثقافة الاقتصادية ضرورة مجتمعية … التأقلم مع تأرجح الأسعار وتكييف المصروف مع ضعف الدخل

بات من الضرورات الملحة اليوم التوسع بنشر مفاهيم الثقافة الاقتصادية بهدف مواجهة التحديات والعقوبات التي تستهدف مكونات المجتمع ولاسيما في بعديها الاجتماعي والاقتصادي, إذ أن العقوبات أنتجت جنونا غير مسبوق في أرقام التعاملات الاقتصادية بكل أشكالها وأنواعها والمواطن يجتهد حاليا في غربلة احتياجاته المعيشية والتعامل مع هذا الجنون بأقل التكاليف وبما يتناسب مع دخله, وهنا تبرز الحاجة الملحة للثقافة الاقتصادية التي لها الدور الأكبر في توعية الفرد نحو التطورات الواسعة في هذا المجال كي يتمكن من التعامل مع التطورات ويساهم فيها وصولا إلى تنمية المجتمع بأكمله وتحقيق تقدمه الاقتصادي ..
وللوقوف على واقع الثقافة الاقتصادية في مجتمعنا التقت (العروبة)عددا من الباحثين والباعة والتجار و المواطنين لتسليط الضوء على بعض أسباب عدم استقرار الأسعار …

ثقافة مجتمعية
الباحث الاقتصادي شوقي حمدان قال : من أهم مسلمات التطور التي يجب أن يقتنع المجتمع بكل شرائحه بها هي وجود ترابط وثيق بين قوة الاقتصاد وتطور المجتمع..
و لا يمكن أن نجد اقتصاداً متيناً مبنياً على أسس علمية في دولة نامية وتواجه ضغوطا متعددة كالتي تشهدها وتتصدى لها سورية ,وهذا مرتبط بصورة جوهرية بمفهوم الثقافة الاقتصادية وبمدى اعتماد المواطن على منهجية وأسس عامة, فإذا كان الفرد والمجتمع يتحليان بثقافة اقتصادية – و لو بالحد الأدنى منها – فهذا يجعل فرص التطور الاقتصادي مضاعفاً لتلك الدولة ,على العكس تماما من المجتمعات غير المثقفة في هذه الناحية والتي تكاد لا تعثر على فرصة للتطور الاقتصادي بسبب ضآلة وحتى ضحالة الثقافة الاقتصادية فيها على مستوى الأفراد أو المؤسسات ..
و أكد حمدان أن الثقافة الاقتصادية تساهم مساهمة فاعلة في تطوير الدولة والمجتمع لأن ذلك يتعلق بتفكير المواطن وسلوكه , وعندما ينتشر هذا الأسلوب المعيشي بين أفراد ومكونات المجتمع كافة بتعلم طرق الاستهلاك الصحيحة حتى في التفاصيل اليومية الصغيرة فإن هذه الثقافة الفردية والجمعية سوف تعود على الدولة والمجتمع بمردودات كبيرة نتيجة للتراكم في صحة التفكير والسلوك , وبالتالي سوف تصنع مجتمعاً مثقفاً اقتصادياً ,وتمهد له الطريق لتطوير واقعه وتنمية قدراته من خلال امتلاكه رؤية يقوم عليها تعامله وسلوكه ومنهج حياته بصورة عامة ,حتى في إدارة الشؤون العائلية سيكون السلوك الاقتصادي الجيد هو السائد , وهذا أمر وإن بدا فرديا أو عائليا لكنه سوف ينعكس على السلوك الاقتصادي المجتمعي عموماً بسبب العلاقات المتداخلة بين العائلات والتأثير المتبادل فيما بينها ,ومن ثم اكتساب الخبرات السلوكية الاقتصادية بصورة تبادلية , وهنا سنكون أمام مجتمع واعٍ بمفهوم الاقتصاد وما يتعلق به ,فضلا عن انعكاساته الإيجابية العديدة كون هذا النوع من المجتمعات غالبا ما يكون عارفا للنتائج الايجابية للسلوك الاقتصادي السليم وانعكاسه على طريقة ومستوى رفاهية العائلة والمجتمع عموماً ..

هدر رغم التقنين
وأضاف حمدان : لابد هنا من الإشارة إلى بعض مظاهر الجهل أو الهدر الاقتصادي ,فنحن ورغم الخسائر التي منيت بها بلدنا بسبب الحرب وخاصة في مصادر ومحطات الطاقة الكهربائية ومع ذلك نشاهد مصابيح أعمدة الكهرباء في الشوارع مضاءة نهاراً, كما أن الجفاف بات يهدد مصادرنا الزراعية وأمننا الغذائي- بغض النظر عن الهطولات المطرية التي شهدناها خلال هذا الموسم – ومع ذلك نشاهد شخصا ركن سيارته على الرصيف ويغسلها بماء الشرب ويهدر كمية من المياه تكفي عدداً من العائلات .. وهذا واقع يدفعنا لإعادة النظر بثقافة مجتمعنا الاقتصادية ..
و من هنا تبرز قيمة المواطن المثقف اقتصادياً بوصفه اللبنة الصغرى للبناء، ومن ثم تبرز قيمة المجتمع المثقف اقتصادياً، ففي مثل هذه الحاضنة المثقفة لابد أن تنشأ قاعدة اجتماعية تعي الظروف والضغوط التي يواجهها المجتمع بكل مكوناته , ومن الملاحظ أن الدولة التي تتميز بمواطن ذي حصيلة ثقافية اقتصادية لاشك أنها ستبني اقتصادها على ركائز سليمة تسرع دوران عجلة التنمية والتطور…

حاجة ملحة
نعمان إبراهيم قال : ينبغي أن تكون الثقافة الاقتصادية شاملة لأن الجميع يحتاجها، بما في ذلك المثقفون أنفسهم، فلا يصح للمثقف أن يحصر نفسه في حيز محدد من الأفكار التي تتعلق بالآداب والفنون كونه ينتمي لهذا الوسط ، ولابد أن يكون عارفاً وفاهماً ومتفاعلاً مع المعلومات الاقتصادية التي تكمّل ثقافته الفكرية والأدبية .. والأمر ينسحب على كل ذي اختصاص فالثقافة الاقتصادية مهمة للفرد والأسرة والمجتمع .. والمجتمع الذي يريد أن ينهض اقتصادياً يجب عليه أن ينهض من المواطن البسيط .. خاصة و أن الاقتصاد هو عصب الحياة في أي مجتمع , و المحرك الأساسي للحياة الاجتماعية… وتتحدد على أساسه جميع ملامح الحياة السياسية والاقتصادية…
وأضاف : الاقتصاد يدخل في كافة تفاصيل الحياة , وعندما يكون ضعيفا تزداد معدلات الفقر والبطالة وتأخر الزواج والطلاق  والعنف الاجتماعي والجريمة ..مشيرا أن الاقتصاد المنزلي بمفهومه البسيط ،  والذي كان يدرس لأبنائنا في المرحلة الابتدائية والإعدادية اختفى مع تعديل المناهج وأصبح الطلبة لا يستطيعون فهم مستجدات حركة الاقتصاد..

تكيف مع التحديات
المواطن خالد ونوس تاجر نصف جملة قال : أحمل شهادة تجارة واقتصاد منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأستطيع القول : إن للثقافة الاقتصادية دوراً مهماً في توعية الفرد بالتطورات الواسعة في عالم الاقتصاد والأعمال لكي يتمكن من التعامل مع هذه التطورات ويساهم فيها وصولا إلى تنمية المجتمع بأكمله وتحقيق تقدمه الاقتصادي لأنه لا يمكن لأي من نماذج النمو الاقتصادي أن تتطور من دون أن تكون هناك ثقافة اقتصادية لدى أفراد المجتمع للتعامل مع هذه النماذج التنموية ,وخاصة في ظل استهداف بلدنا بعقوبات اقتصادية نتيجة لذلك لجأ المواطن البسيط لإدارة اقتصاده الخاص على طريقته , فلجأ لاعتماد الاشتراك في الجمعيات الشهرية كونها الأسلوب الوحيد الذي يحقق له بعض الدعم الاقتصادي ويؤمن له جزئيات احتياجاته ويحميه قدر الإمكان من المواقف الصعبة وخاصة في المناسبات كالأعياد وغيرها ,كما تساعده الجمعيات على تسديد التزاماته …

تبسيط للمصطلحات
صحيح أنه أضحى اليوم لكلمة الاقتصاد وقع خاص عند أغلب شرائح مجتمعنا ,وهذه نتيجة تقف خلفها أسباب متنوعة أهمها موجة جنون الأسعار الحالية ولاسيما في شهر رمضان حيث ارتبط الاقتصاد بشكل مباشر بأزمات المواطن الذي يعاني في سبيل تأمين لقمة العيش..
والحجج دائماً تكون مترافقة مع تعابير متخصصة مثل معدل التضخم وارتفاع سعر الصرف , ومن هنا تبرز أهمية ترويج الثقافة الاقتصادية ليس بمفهومها المتخصص الثقيل بل بمفهوم بسيط سهل ومقرب..

تأرجح للأسعار
في سوق ساحة الحاج عاطف بحي كرم الشامي التقينا المواطنة منى زكريا وحدثتنا عن واقع اقتصادها المنزلي قائلة : جميع الناس لا يزالون ينتظرون من الجهات المعنية الإيفاء بوعودها في ضبط حركة الأسعار وخاصة في شهر الصوم, علما أن هذا الجنون بات يشكل معضلة يعاني منها كل الناس ومع ذلك ظلت الحلول العلاجية الشافية غير متوفرة .
ويعاني أغلب الناس بسبب ارتفاع أسعار جميع المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية ,وهذا ليس بسبب ضعف الثقافة الاقتصادية بل بسبب الحصار والعقوبات التي يتعرض لها وطننا ..

ارتفاع غير مسبوق
وفي شارع الحميدية التقينا المواطنة نائلة جرجس حدثتنا قائلة : لقد شهدت حركة الأسعار منذ مطلع شهر رمضان جنونا غير مسبوق انعكس بتفاصيله الكبيرة والصغيرة على المواطن كون هذا الجنون أصاب جميع السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية وحتى الدواء ,ما دفع أغلب المواطنين لتوجيه انتقاداتهم للجان حماية المستهلك لأن سهام الانتقادات لا تصيب غيرهم, وللإنصاف نشير هنا إلى أنه رغم محدودية إمكانيات هذه اللجان فهي لا تدخر جهدا في محاولاتها الدؤوبة والمستمرة لضبط حركة الأسعار لكن دون الوصول إلى نتائج يلمسها المواطن ولاسيما إذا كان ينتمي إلى شريحة الدخل المحدود .. وهنا لا تستطيع ثقافة الاقتصاد أن تجد حلولا لها كون السلع المعروضة في جميع الأسواق تم ربطها بسعر صرف الدولار, والمدهش هنا أنه في حال تراجع سعره تبقى الأسعار على حالها في جنون يبدو أنه مفتعل وتقف وراءه حملة عنوانها الأساسي تحقيق المزيد من جني المال ولو على حساب احتياجات المواطن الضرورية .

لاتسمن من جوع
مواطنة أخرى التقتها العروبة قالت: إن ضيق ذات اليد ومحدودية الإمكانات يطرح أكثر من سؤال ولاسيما في ظل تراجع دور لجان حماية المستهلك وخاصة في تفاصيل تنفيذ وعودها وتواجدها في الأسواق وتنوع إجراءاتها واتساع دوائر عملها وتشابه العادات الاستهلاكية للمواطن وهذا يضيف إلى أعباء الجهات المعنية وخاصة حماية المستهلك أعباء ليست بالحسبان وتترك أثرها الواضح على حركتها .. ونظرا لعوامل الخصوصية التي تتطلبها حركة الإنفاق خلال شهر الصوم المرتبطة بهموم الأسر السورية جميعها فإن جنون الأسعار بات غير محتمل…

أخيراً
تعتبر الثقافة الاقتصادية مهمة للفرد والأسرة والمجتمع الذي يريد أن ينهض اقتصادياً ومالياً ويحقق الرخاء،و من هنا يتبين أهمية إيجاد الحلول المنطقية لارتفاع الأسعار وخاصة في ظل الظروف التي يعيشها جميع المواطنين انطلاقا من أساسيات النهوض الاقتصادي للمواطن سواء كان يعمل بالزراعة أو بالحرف الصغيرة والمتوسطة الدخل وغيرها … وذلك من منطلق الإدراك التام بأن الاقتصاد هو عصب الحياة في أي مجتمع وهو المحرك الأساسي للحياة الاجتماعية وتتحدد على أساسه جميع ملامح الحياة..
بسام عمران

 

المزيد...
آخر الأخبار