الزواج المبكر .. أسباب ونتائج.. وحلول هل تجد صدى على أرض الواقع ؟؟ …مخاطر صحية وأعباء نفسية ومادية تتكبدها الأسرة والمجتمع
دائما الأزمات والحروب تترك آثارها على جميع أفراد المجتمع في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية ولكن الآثار النفسية هي الأكثر شدة وديمومة لكنها قلما تلقى الاهتمام اللازم.
ولا يمكن التغافل أن المجتمع السوري يواجه مظاهر سلبية فرضت نفسها كانعكاس للحرب التي تمر بها سورية لتطول الفئات الأكثر هشاشة منه فخرجت إلى الضوء مظاهر مثل الزواج المبكر ما يتطلب أكثر من أي وقت مضى بذل جهود كبيرة لحماية الأسرة والتصدي لكل ما من شأنه تهديد حالتها الاجتماعية وصحتها النفسية والجسدية.
ماذا لو تزوجت الفتاة في فترة المراهقة ،تلك الفترة الحرجة من حياتها ؟ كيف ستتصرف بعد أن أصبحت زوجة لها عالمها الخاص الذي يختلف عن بيت والديها ؟ كيف تستوعب الفتاة ملامح تلك الفترة وتتعامل مع مسؤولياتها ؟
يقال إن سن الزواج ليس مهما فكثير من الزيجات الناجحة تكون أعمار الفتيات دون العشرين ولكن المهم هو درجة الوعي .. قد يكون ذلك صحيحا في بعض الحالات لكن الأغلبية تشير إلى عكس ذلك .
ما باليد .. حيلة
هناء متزوجة منذ سن -16- قالت : لو رجع الزمان بي إلى الوراء لما تزوجت قبل حصولي على شهادة علمية ولكن فات الأوان ,لقد كنت صغيرة, تعذبت كثيرا حتى تأقلمت مع الحياة الزوجية ومسؤولياتها وكثيرا ما كنت أتمنى طلب الطلاق من زوجي ولكن أهلي كانوا يرفضون ويقفون ضدي على مبدأ ..أي شيء أفضل من كلمة مطلقة .
سميرة – متزوجة منذ ثمانية أعوام وهي تبلغ اليوم -25عاما – قالت : متى سيأتي الزمان الذي تشعر فيه الفتاة أنها قادرة على اختيار حياتها وتحديد مصيرها دون ضغوط المجتمع والأهل ؟ المشكلة في مجتمعنا أنهم يعتبرون تأخر الفتاة بالزواج إلى ما بعد سن (20) عاما كارثة لا تحل إلا بالزواج والكثير من الفتيات يدفعن مقابل هذه الفكرة من حياتهن وسعادتهن ..
علا -20- سنة قالت : ظن أهلي أن ابن عمي 18 سنة هو الوحيد القادر على أن يحميني ويسعدني وبأنه نصيبي الوحيد في الدنيا ، رضيت بالنصيب ,ولكنني لم ألق ما تمنيته عندما تزوجته ,كان عمري حينها16 سنة والنتيجة أنني طلبت الطلاق بعد سنتين ,بسبب سوء معاملته , وسهره الطويل خارج المنزل .
إلى ما بعد الحرب
هناك أسباب كثيرة للزواج المبكر فلا يبدأ الأمر بتزويج الفتاة خوفا على سمعتها ولا ينتهي بالأسباب المادية .. فقد تزوج الفتاة صغيرة لأنها فائقة الجمال ولا يريد أهلها أن تضيع في دهاليز المراهقة ، سيما إذا كانت التربية والإرشاد معدومتان … وسبب آخر يضع النقاط على الحروف وهو الخوف من شبح العنوسة ، هذا الشبح الذي يطارد الفتيات في أغلب المجتمعات …
ومع أن زواج الفتيات المبكر كان من العادات الشائعة في سورية وإن بنسب قليلة قبل بدء الحرب ، فقد أشارت التقارير إلى ارتفاع ذلك خلال الحرب إما لحماية الشابات أو لتخفيف الضغوط على الموارد المالية الأسرية,وقد قدمت العديد من الأبحاث والدراسات والاستبيانات حول الزواج المبكر والذي زادت نسبته بعد الحرب وخاصة بين الأسر النازحة واللاجئة .
أبو محمد يقول بأنه زوج اثنتين من بناته – بداية المرحلة الثانوية – والثالثة في الإعدادية تسير على طريق أختيها بعدما اضطرته الظروف للجوء إلى مدينة أخرى وذلك خوفا عليهن من الضياع أو من المشاكل التي تظهر عندما يكون الإنسان بعيدا عن بيئته .
أما مريم فتقول صحيح أنني لم أكمل تعليمي ولكن الزواج أفضل لي في هذه الظروف التي نعيشها وبدلا من التشرد واللجوء أصبحت أسكن في بيت زوجي مستقرة ومطمئنة .
وأضافت: قد يكون الزواج المبكر في بلدنا أفضل حالا من الزواج ضمن المخيمات في الدول المجاورة ، خاصة وأننا علمنا أن الفتيات هناك يتم بيعهن إلى الأثرياء تحت ستار الزواج … وما علم ولم يعد خافيا أشد بشاعة .
ليس حكرا عليهن
الزواج المبكر ليس حكرا على الفتيات فقط بل حتى على الشبان الذين يتزوجون لأسباب معروفة لكل الناس تتلخص في الضغوط النفسية والاجتماعية والأسرية التي يتعرض لها المراهق فيرى البعض أن الحل الجوهري هو الهروب من المنزل لكي يتزوج الفتاة التي يريدها .
أم أحمد – زوجت ابنها الوحيد في سن الثامنة عشر وهي تبرر أسبابها بالقول : هذه الحرب الظالمة التي مرت علينا جعلتنا نخاف على العائلة ورغم إيماننا بالقضاء والقدر ,إلا أننا نخاف أن نخسر أحبابنا وأبناءنا ، لقد زوجت ابني لأرى أولاده يلعبون أمامي وأفرح بضحكاتهم قبل أن أغادر الحياة في أي لحظة .
رأي الشرع
الشيخ عصام المصري مدير أوقاف حمص قال : الزواج صيغة تعاقدية بين المرأة والرجل تقوم على أساسه علاقة زوجية يحكمها نظام من الحقوق والواجبات الشرعية والقانونية وتتشكل على أساسها خلية اجتماعية يعيش فيها الرجل والمرأة تحت سقف واحد ويتمكنان بفضل هذا العقد من إنجاب الأولاد وإشباع غريزة الأبوة والأمومة فيهما ..
وعندما يكون التساؤل : هل من الأفضل أن يكون الزواج مبكرا للشاب والفتاة مع تطور الحياة وصعوبة الظروف التي تحيط بهما ، أو أن يتأخر؟ يكون الجواب : أنه لا يمكن أن ننكر طبيعة البشر بالنسبة لغريزة انجذاب الرجل للمرأة وبالعكس , و الشرع نظم هذه العلاقة بالزواج, وحينها كان بمقدور كل شاب أن يتزوج في سن مبكرة وهذا صحيح لأن الحياة كانت بسيطة ولا تحتاج إلى الكثير من المتطلبات ،ولكن الزمن تغير، فوقع الشاب تحت رحمة ضغوط الحياة ، و اليوم نرى أن الفتاة في سن الخامسة عشر لا تعرف عن الحياة شيئا وبالأخص الحياة الزوجية فكيف ستستطيع أن تفهم زوجها ؟ و هناك أمورا مهمة لا بد أن تعيها في زواجها المبكر ، وأيضا في نفس الوقت هل يستطيع الشاب تحمل المسؤولية ؟؟
وأضاف : لا يستطيع أحد إنكار أن للحرب الإرهابية الهمجية التي مرت على البلاد تبعاتها الخطيرة وخاصة على المجتمع والأسرة وظهور أو ازدياد ظواهر اجتماعية كانت قد بدأت بالتقلص فيما سبق ولسنوات خلت كانتشار ظاهرة الزواج المبكر وبالمقابل ازدياد نسبة الطلاق وتفشي الظواهر اللاأخلاقية ، ولذلك يجب التنبه لخطر تلك الظواهر ,وعلى كل الجهات تحمل المسؤولية تجاه المجتمع وتخليصه من تبعات الحرب ,فحربنا اليوم حرب فكرية وأخلاقية لأن ما لم يستطع أعداؤنا تدميره بالحرب العسكرية سيحاولون تدميره بالأفكار السيئة التي ينشرونها بين أفراد المجتمع, يساعدهم في ذلك الإعلام المأجور ووسائل التواصل الاجتماعي التي يقف وراءها شبكات متخصصة هدفها تضليل المجتمع وخصوصا فئة الشباب والمراهقين .
وأشار إلى أننا أمام «مشكلة» فهناك من ينادي بالزواج المبكر وآخر لا يحبذه ، ليتمكن الطرفان وخاصة الفتاة من تحمل المسؤولية ، و إذا نظرنا إلى المحاكم الشرعية نرى أن نسبة الطلاق أصبحت مرتفعة جدا سواء إن كان الزواج مبكرا أو متأخرا ، وهذا يعود إلى ضعف ثقافة المجتمع بمسؤولية الزواج .
وأكد قائلا: نحن كمديرية أوقاف نعمل من خلال مركز الإرشاد التابع للمديرية على إقامة ورشات عمل وندوات تثقيفية في الريف والمدينة من أجل حماية الأسرة وتثقيفها , هذه النواة الصغيرة التي إن أحسن تأسيسها ستشكل المجتمع المتطور الآمن من الإرهاب الفكري وتزويد المجتمع بالمبادئ الأخلاقية السليمة .
القانون .. ودور المشرع السوري
المحامي سليمان رضوان رئيس فرع نقابة المحامين في حمص قال : يعرف الزواج المبكر بأنه زواج القاصرين ممن لم يبلغوا سن الرشد الذي هو / 18 / عاما ، فمن كان دون هذه السن فزواجه يعتبر مبكرا سواء كان فتاة أو شابا ، وأكثر من ذلك فقد كان المشرع يسمح بزواج المراهقة التي أكملت / 13 / عاما والمراهق الذي أكمل / 15 / من العمر وذلك بشروط منها أن يدعيان معرفتهما وقدرتهما على الزواج وموافقة الأهل والقاضي ، وقد طرأ تعديل على قانون الأحوال الشخصية بموجب القانون / 4 / لعام 2019 الذي ساوى بين المراهق والمراهقة بعمر الزواج الذي حدد بـ/ 15 / عاما وأبقى على الشروط ذاتها السابقة .
وأضاف : للزواج المبكر تأثيرات متعددة منها : الصحية وخاصة على المرأة فهي في طور النمو الجسماني الذي لا يكتمل إلا في سن الرشد وفي حال الزواج فقد تتعرض لمخاطر الحمل والولادة .
والآثار الاجتماعية فمن الملاحظ أن الفتيان قبل سن / 18 / ذكورا وإناثا لا يفهمون مقومات الحياة الزوجية بشكلها الصحيح ولا أسس قيام الأسرة القوية بكونها الخلية الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تربية النشء فهم ما يزالون في سن يحتاجون فيه إلى الرعاية ، وإلى متابعة التحصيل العلمي ، ومن هنا فمن غير المحبذ فكرة الزواج المبكر .
وإذا كان المشرع- ولأسباب اجتماعية يقدرها – حين إصدار القانون الذي يسمح بالزواج المبكر دون سن / 18 / من العمر ، إلا أنه في المستقبل القريب سيكون هناك تشريعات أخرى تحد من هذا الزواج بما يتوافق مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع .
مخاطر صحية ..
الدكتور محمد عبود رئيس شعبة الصحة الإنجابية في مديرية صحة حمص قال : الزواج المبكر ظاهرة سلبية ومشكلة اجتماعية لها علاقة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية وعادات وتقاليد تربى عليها المجتمع، ولهذا الزواج مخاطر صحية على الفتيات فصغر سنهن يعرضهن لخطر الوفاة بسبب مخاطر الحمل والولادة بنسبة 15 % ضعف ما تتعرض له فتاة في عمر/ 22 / ورغم أن الفجوة العمرية صغيرة مابين عمر 14 و22 إلا أن الخطورة كبيرة .
وأضاف : الفتاة القاصر مهددة بولادة مبكرة نتيجة الحمل المبكر قبل أن يكتمل نموها الجسماني وبالتالي يهدد وليدها أيضا بالموت ، ومن الملاحظ ارتفاع نسبة إجراء الولادات لدى القاصرات وبالتالي زيادة نسبة الوفيات نتيجة مخاطر هذه الجراحة ، فالوضع التشريحي يبين أن الحوض عند الفتاة القاصر غير مكتمل .
و قد تتعرض أيضا لمشاكل صحية منها « الانسمام الحملي « الذي يشكل خطورة على الأم والجنين ويكون الحل عادة بإنهاء الحمل .
إن الأم الصغيرة هي أم غير قادرة على تحمل مسؤولية ومهام أكبر من طاقتها وبذلك لم يعد الزواج المبكر مشكلة صحية فردية تخص الأسرة فقط ولكنها مشكلة تتعلق بالمجتمع ككل وتشكل أعباء على الدولة فمعظم المشاكل الصحية التي تتعرض لها الأمهات صغيرات السن تتحملها المشافي العامة والمراكز الصحية وبالتالي زيادة الأعباء المادية .
وأكد: كانت الأسر تندفع لتزويج بناتها تحت ضغط العادات والتقاليد والأفكار التي كانت سائدة وللتخلص من مسؤوليتها وأنها أولا وأخيرا مصيرها الزواج ،وما إن بدأ المجتمع يتخلص تدريجيا من هذه العادات جاءت الحرب وأعادت الوضع عشرات السنوات إلى الوراء فعادت ظاهرة الزواج المبكر للظهور ، وازدادت منذ عام 2014 حتى الآن بنسبة الضعف ويعود ذلك للوضع المعيشي المتردي الذي عاشته بعض الأسر والتهجير القسري الذي تعرضت له .
وأضاف : لدينا في مديرية الصحة عدة برامج للتنبيه حول مخاطر الزواج المبكر والذي يكثر في البيئات المحرومة من التعليم وهذه هي الفئة المستهدفة من البرامج، ولكن هذا الأمر بحاجة للتعاون من كافة الجهات والقطاعات التي تستطيع عبر عدة وسائل اختراق هذه البيئات ، ومحاولة تغيير بعض الأعراف والتقاليد البالية وهذا يحتاج إلى عمل على المدى الطويل ومبادرات مجتمعية فعالة وبناءة .
علم النفس ..آثار ونتائج لا ترحم
فاتن الناعمة مرشدة نفسية في إحدى الثانويات قالت : هناك أخطاء تكون نتائجها كارثية ، فإن كانت البداية من فتاة مراهقة لم تبلغ من العمر /14 / مع رجل قد يكون أكبر منها بسنوات قليلة لا تجربة فيها, أو مع رجل يكبرها بالعمر لا يحاول أن يستوعب هذه « الطفلة » التي شاءت الأقدار أن تكون زوجته وفي كلا الحالتين الخلافات ستتعمق والشرخ سيتسع وبالتالي يتعرض الزوجان لمشكلات نفسية معقدة , ما يؤدي إلى الطلاق في أغلب الأحيان فعدم نضوج الفتاة أو الشاب على حد سواء ثقافيا وتربويا وجسديا وعدم قدرتهما على حمل المسؤولية يهدد مستقبل الحياة الزوجية، لذلك يجب على المجتمع توعية المراهقين من خلال برامج إعلامية متنوعة، مع عدم إجبار الأهل أبناءهم على الزواج الذي يعتبر مسألة مصيرية ،وذلك ضمن جو من الحوار وحرية التعبير مع الأخذ بمبدأ أن النضج مطلوب فيزيولوجيا ونفسيا وتعليميا لبناء أسرة سعيدة وبالتالي بناء المجتمع الفعال لأن درهم وقاية خير من قنطار علاج .
بقي أن نقول :
تقوم بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية بإقامة ندوات وحملات توعية بالتعاون مع مديرية الصحة والتربية واليونيسيف في هذا الاتجاه وقد قام بعضها بتأهيل كوادر متخصصة للقيام بجولات ميدانية وجمع إحصائيات من خلال توزيع استمارات استبيانيه وخاصة في مراكز الإيواء حول موضوع الزواج المبكر والتعاون مع محامين ومثقفين ومتخصصين اجتماعيين وذلك لإيجاد مركز استشاري ،قانوني ، طبي ونفسي وذلك لمتابعة عدة حالات لمتزوجات صغيرات وتقديم المعالجة والإرشاد قدر الإمكان حيث أن لهذا الزواج وخاصة إذا فشل تبعات سلبية كالطلاق المبكر والأمومة المبكرة .
تحقيق : منار الناعمة