لم تكن الحياة في يوم ما على صفاء دائم ولا على جهة للوجع فيها مكان فهي تسير بالمرء على ضفة السعادة حينا وعلى مرمى حزن هنا أو دمعة هناك ولا مناص من العبور من مرحلة إلى أخرى وقد اختلفت الأولويات والاعتبارات وقراءة إرهاصات كل مرحلة وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المجتمعات والدول لكن ما يمكن أن نقف عنده هو العلاقات الاجتماعية التي ترفع من سوية هذا المجتمع أو مكانة تلك الدولة باعتبار أن الدولة هي الأسرة الكبيرة التي تضم بين ظهرانيها كل الأسر الصغيرة المنتشرة على مساحة هويتها الجغرافية وتبقى التربية التي يتم تغذية الأجيال بها هي العامل الأهم في استمرارية عمر الدولة أطول والتربية تعتمد على استخلاص التجارب والعبر من الماضي الذي هو تاريخ الدولة وعمق حضورها في الزمن كما يمكن الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب واستخلاص ما يناسب مجتمعنا منها كما أن مساواة أفراد الدولة في الحقوق والواجبات يعتبر اللبنة الأساس في جدار النهوض الوطني كما أن العلاقات بين الأفراد فيما بينهم تعكس حالة من الرقي والإنسانية البيضاء ففي المجتمع هناك الغني وهناك الفقير ولا بد من تعزيز علاقات التكافل والتضامن وإعطائها حيزا لا بأس به من الأهمية ,وفي حديث عن الرسول ( ص ) يقول : إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم ، أولئك هم الآمنون .
ومن يعمل المعروف أو يساعد محتاجا وهو يحتسب أجره عند الله كان ممن يلقون ثوابا فيرجح ميزان أعماله الصالحة خاصة أن الله لا يضيع أجر أحد وفي حديث آخر يقول الرسول ( ص ): إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .
وعلينا أن نستقرئ العبر من أسلافنا وكيف تعاملوا مع واقع كانوا سدنته وعلى اختلاف سويات مكانتهم التي يشغلونها وخاصة في مجال الشعور بالآخر وأعني هنا الأغنياء وفي هذا الشأن قيل : إن يوسف بن يعقوب عليه السلام لما ملك خزائن الفراعنة كان يجوع ويأكل من خبز الشعير ولما قيل له : أتجوع وبيدك خزائن الأرض ؟ أجاب : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.
نحن الآن في شهر رمضان شهر الخير والإحسان وقد اختصه الله بفضائل كبيرة جدا وهو شهر الرحمة والبركات وهو فرصة تتاح مرة في العام كي يجني المرء ثماره من خلال تقوى الله وتنفيذ فرائضه ونيل رضاه وغفرانه حيث النفوس مهيأة لهذا الأمر وكذلك من خلال مساعدة الفقراء والمحتاجين وحتى تكتمل اللوحة جمالا لو أننا جعلنا من كل شهور حياتنا كما شهر رمضان في المحبة والتعاون والتكافل والتضامن فهل بدأ كل من نفسه في إصلاحها وجعلها منتجع الأنا الصالحة وواحة لقاء المحبين والتسامح والسلام .
شلاش الضاهر