تحية الصباح.. ورد وخبز وشعر

لعل هذا العنوان الرومانسي يثير الأمل والتفاؤل , ثلاث كلمات كل واحدة منها تشكل عالماً جميلاً ,  نحتاج الورد ونحتاج الشعر ولكننا على حد قول محمود درويش ( نحتاج الخبز أكثر !!) وعبارته ( إنا نحب الورد ، لكنا نحب القمح أكثر …!! ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر..!!

التمتع بالورد غذاء للروح ، لكن الخبز غذاء الجسد , وعندما نغرق في الرومانسية أكثر نقول ( غذاء الروح أهم ) وعندما نعود للواقع نقول  غذاء الجسد أهم .. بلا غذاء نموت ..!!).

يبدو أن اهتمامنا، بشكل عام ، بالروح ، يتراجع أحياناً لأسباب كثيرة منها المتاعب الناتجة من تأمين لقمة العيش ، فهنا لا نجد وقتاً  للرومانسية ولا نشعر بالعطر ولا بالورد أمام طفل يطالبنا بالحليب ، أو زوجة تعد لائحة المشتريات التي تشطب أغلبها لأن الغلاء أودى بأكثر أنواع الطعام ، ولم يبق إلا النذر اليسير جداً ,  غير أن سيرة الورد و سيرة  الشعر ، تبقى تدغدغ المخيلة لعلها شجرة الياسمين الكبيرة في دارنا تريد أن تنسيني شيئاً من معاناة الحياة ، فهي ، كما أتوهم ، أو كما هي الحقيقة تنشر عبيرها الصباحي والمسائي ، بطريقة لافتة .. تنسيك ربما للحظات الغلاء وانقطاع الكهرباء توءم انقطاع المياه .. فلا تلفاز ولا انترنت ويزيد الطين بلة انقطاع الهاتف الأرضي المزمن..وأسأل نفسي : لماذا إذن جئت إلى القرية ؟!! فمشاكلها أكثر بكثير من المدينة .. إنه هروب إلى عالم ربما  يمنحك الراحة , وهكذا كان … أقفلت الهاتف المحمول , أنا الآن منقطع عن العالم ، عدا أصوات الثعالب في الغابة المجاورة لبيتنا … ليلاً كأنها تريد أن تذكرني بشيء ما ..!!

المكتبة العامرة بالكتب ، عدت متلهفاً إليها , هذا ديوان المتنبي مايعجبني في هذا الشاعر هو اعتداده بنفسه:

الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم!!

ولقد قتله هذا البيت , فعندما أراد الهروب من أعدائه ذكره خادمه به فقال للخادم ( قتلك الله لقد قتلتني )  وكر على أعدائه فدافع عن نفسه حتى قتل ..!!

أما دواوين محمد الماغوط فهي إلى جانب  ديوان زوجته سنية الصالح  مدهش هذا الشاعر مثل سلمية التي أنجبته لكنه تركها ولم يعد إليها إلا محمولاً على الأكف يعجبني كثيراً جمعه للورد مع الخبز يقول :

/مذ كانت رائحة الخبز / شهية كالورد ، كرائحة الأوطان / وأنا أسرح شعري كل صباح/.

يكثر الورد في شعر المرحوم الماغوط:/قلبي يخفق كوردة حمراء صغيرة /

ثلاثة أيام وأنا منقطع عن العالم في خلوة روحية , طعامي عنب الدالية و ثمار التين في الحديقة .. ولكن إلى متى ؟!

ها أنا أعود إلى المدينة والأولاد ، وصخب النشاطات الثقافية وزيارة جريدة  العروبة  و  رابطة الخريجين  ……

عيسى إسماعيل

 

المزيد...
آخر الأخبار