استهل الباحث فخري اللقيس محاضرته في فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب بعنوان «قراءات في نصوص مترجمة قضايا ومشكلات» بالحديث عن “أخلاق الترجمة” مؤكداً أن بعض المترجمين يلجؤون للحذف أو الالتفاف على مفردات أو معان من النص المترجم منه فيقدمون مبررات وأعذاراً تتعلق بعدم توافقها مع معتقدات أو قيم القارئ العربي, مؤكداً أن هناك مشكلات ومطبات عديدة يقع بها المترجمون لها علاقة بأخلاقيات الترجمة وأمانة نقل النص.
جدل
وأشار إلى خلاف النقاد حول لجوء المترجمين للتغيير في مفردات النص المترجم فبين أن فريقاً منهم يبرر التجاوزات ..لا بل يراها ضرورية للوصول إلى المعنى الحقيقي للفكرة ,كي لا تكون الترجمة مجرد تراصف للكلمات وحرفية ركيكة, في حين يعتقد فريق آخر من النقاد بضرورة الابتعاد عن أي تغيير في النص الأصلي وأنه يجب ألا يكون المترجم وصياً على ثقافة القراء بل يترك لهم الحكم بأنفسهم على ما يقرؤون.
كبرياء يمنع الشاعر من التكسب
شارك الأديب والمترجم محمد الدنيا في هذه المحاضرة بقراءة قصة مترجمة بعنوان “الشاعر” للكاتب البنغالي» سيد شمس الحق» وهو واحد من أهم الأدباء في بلاده وبلاد الهند, تحكي هذه القصة التي ترجمها الأديب محمد الدنيا حكاية شاعر هُمش لنزاهته وعدم مسايرته حيتان المجتمع المسيطرين على مفاصل الحياة في بنغلادش وأبى أن يكتب قصيدة مديح واحدة لهم رغم فقره المدقع و يُدعى « عبد الرب منشي» يعيش في تاماي وعمره 48عاماً، وهي قرية نائية ، حيث يحكم العلاقات الفوارق الطبقية، ضمن مفارقات تثير الاهتمام وقد تميزت الترجمة بالاتقان حيث استطاع الباحث الدنيا جذب انتباه الحضور لقصته المترجمة دون كلل.
معاناة
وختم المحاضرة الدكتور غياث موصلي بقراءة قصة قصيرة “حادثة قائد الأوركسترا كالينا” للروائي التشيكي كارل تشابك وهو كاتب معروف له كتب في الفن والفلسفة والخيال العلمي ومن أشهر رواياته «حرب السمندرات، وتتحدث عن قائد أوركسترا يذهب إلى انكلترا ليقود فرقة موسيقية دون أن يعرف الإنكليزية وأثناء وجوده هناك يسمع حواراً جرى بين فتاة وشاب بالمصادفة وبالرغم من أنه لا يعرف اللغة اكتشف أن الحديث يتعلق بارتكاب جريمة وذلك من خلال تمييزه للأصوات وطبقاتها ونبراتها بعدها صحت نبوءته وقرأ خبر وقوع الجريمة في الجريدة غداة اليوم التالي .وبين الدكتور غياث موصلي أن الكاتب التشيكي تناول في قصصه مسألة تفاوت تفكير الأجيال بين جيل الشباب والجيل المسن .
.. وأنهى مشاركته في هذه المحاضرة بقصة من تأليفه تحدث فيها عن قسوة حياة السوريين وظروفهم الصعبة ومعاناتهم الطويلة في بلاد الاغتراب من خلال حياة أسرة سورية هاجرت إلى ألمانيا ذاق أفرادها مرارة الغربة حيث أنفقوا كل ما ادخروه من قروش بيضاء لأيامهم السود,مما اضطر الزوجة للعمل في وظيفتين ، وكيف نسيت طفلة هذه العائلة «كمانها» في الحافلة التي تقلها، وبعد أن نشرت خبر فقدانه في الجريدة قدم لها أحد المسنين «كمانه» لكي تكمل تدريباتها عليه .
الترجمة قناة لنقل اللغة والمعرفة
أثارت المحاضرة تساؤلات عديدة لدى الحضور الذي ساهم بطرح أفكار غنية حول ضرورة إتقان المترجم لأدواته وذلك باتقان اللغات التي يستخدمها في ترجمته «من وإلى «وأن يسبر أعماقها ويتفقه في جزئياتها كالنحو والبلاغة وغيرها وأن يملأ جعبته بكم وافر من المفردات قديمها و حديثها, والعامي منها والفصيح فهي أحد مصادر قوته في التغلب على صعوبة نقل الأفكار بشكل سليم ,في حين ركزت إحدى المداخلات حول تبادل المفردات بين اللغات من خلال الترجمة فهناك كلمات كثيرة نستخدمها في لغتنا العامية ولا نعلم مصدرها وهي تنبع من جذر لغوي فصيح مثل كلمة قوَّس من القوس الذي يشكل مع السهام سلاحا حربيا قديما ولكن اليوم تستخدم هذه اللفظة للدلالة على فعل القتل بسلاح ناري ,وهناك كلمة بعلية فهي تدل على الأراضي التي تروى بماء المطر وهي مشتقة من لفظة الاله بعل _ هو معبود فينيقي يراد به الشمس ,وبقيت هذه الكلمة متداولة حتى يومنا هذا, ولا يخطر في بال أحد منا أنه ثمة علاقة ما بين مفهوم المطر الهاطل ببركة الله وبين جذر الكلمة الأصلي. أما كلمة بنانا الانكليزية وتعني الموز فهي مأخوذة من أصل صومالي وهي تعني البنان أي أصابع الموز علما أن اللهجة الصومالية أخذت الكثير من مفرداتها من أصل عربي .وهذا يدل على أن اللغات تتبادل المفردات بما يخدم الحاجة البشرية لها وأن الترجمة هي قناة هذا التبادل.
ميمونة العلي