« لماذا نتعلم » حال لسان جيلنا الشاب ، فبعد سنوات من التعب والدراسة ، والطموح لخوض الحياة العملية بعزيمة وإصرار ، حتى تصبح الشهادة نوع من الإحباط (تؤطر ضمن إطار خشبي على الجدران لا أكثر ) وهنا تبدأ رحلة البحث عن وظيفة ، أو حتى عمل دون المستوى اللائق بتحصيلهم العلمي .
الأعباء المادية
محمد وهو خريج كلية العمارة يقول : أثناء دراستي كنت أعمل بسبب الأعباء المادية والضغوطات على عائلتي ، وبعد التخرج ، ذهبت إلى المدينة الصناعية بحسياء بحثاً عن عمل يتوافق وشهادتي الجامعية ، وللأسف لم أجد وظائف إلا ما يخص العامل ، إضافة إلى أن الدوام حوالي الـ ( 12) ساعة ، وبدون إجازات ، وساعتين سفر (ذهاب وإياب ) بشكل يومي ، والراتب مع الحوافز حوالي الـ ( 70000) وهو لا يتناسب مع الجهد والوقت ، بالإضافة إلى نقطة مهمة ، طبيعة العمل كانت خطرة حيث التزمت يومين بالعمل ، وبعدها قدمت براءة ذمة وغادرت المكان ، لأجد بعد فترة عملاً آخر في سوبر ماركت ، محاسباً بدوام من الـ ( 12 ) ليلاً حتى ( 8 ) صباحاً بدون إجازات براتب ( 30000) وطبعاً خلال عملي في السوبر ماركت ، كنت أعمل عملاً إضافياً ( مشاريع وحلقات بحث للطلاب بمختلف الاختصاصات والمراحل ، فقبل الحرب كانت فرص العمل متاحة بشكل أكبر وعلى صعد مختلفة ، أما بعد الحرب ، فالفرص أقل بالإضافة إلى بعض التعقيدات من قبل الشركات الخاصة ، مثل طلب خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات حتى نتأهل للقبول ، بالإضافة إلى المحسوبيات ( شخص غير كفؤ ) يوظف على حساب شخص آخر ، هو أحق بالوظيفة ، من ناحية الشهادة والمؤهلات ، وحالياً تركت عملي في السوبر ماركت ، منتظراً الفرج بوظيفة ضمن مجالي واختصاصي .
مرض والدي
وتتابع رند وهي خريجة هندسة ميكانيك وكهرباء : الفترة التي تخرجت فيها من الجامعة ما يقارب السنتين ، تزامنت مع مرض والدي ، والحاجة الماسة للمال ، لتأمين تكاليف العملية له ، لأبدأ رحلة البحث عن وظيفة ، والتي كانت في معامل حسياء لكن للأسف ، لم يقبلني أي عمل ، لأنني ( أنثى ) فمن الصعب أن أجد شاغراً للعمل ، وليس عندي واسطة تدعمني ، و صدفة عثرت على شاغر في مدرسة ثانوية ، لأدرس فيها مادة الرياضيات ، واعتمد على الدروس الخصوصية ، لأن مردود المدرسة ضئيل جداً وبنفس الوقت كنت أحاول جاهدة ضمن معامل حسياء ولكن
( دون جدوى ) وحالياً أعمل مع شركة ( خاصة ) وطبعاً كل هذا خارج إطار اختصاصي ، ليولد بداخلي إحباطاً بأن دراسة الخمس سنوات ( هدر بلا فائدة ) لأنني لم أجد نفسي بعد في مكاني المناسب كمهندسة ، على الرغم من ذلك كل الوظائف التي عملت فيها كنت أثبت نفسي فيها ، كنت أنتظر اليوم الذي سأتخرج فيه من الجامعة ، ولكن الواقع صدمني كما أن الحرب لعبت دوراً كبيراً في ذلك ، حيث حدّت من فرص العمل ، وأغلقت الكثير من المعامل ، وأتمنى أن يتغير الوضع ، ليصبح أفضل ، أملاً في إيجاد فرص عمل لائقة وجيدة .
واقع محزن
أما مي وهي خريجة هندسة معلوماتية اختصاص برمجيات تقول : دخلت الكلية وتحديداً هذا الاختصاص ، لأنني أحبه ، ومتفائلة بالمستقبل ، وبعد التخرج كنت متحمسة للعمل وأول شركة عملت فيها ( خاصة ) بما أنها أقوى الشركات ، وتحتاج لاختصاصي وطبعاً قدمت كل ما هو مطلوب ، ولكن للأسف لم أتوفق فيها ، وبعد فترة من تقديمي على سيرياتيل ، سمعت بفعالية بالشام اسمها ( شغلني ) يعمل فيها جامعيون كمندوبين من عدة شركات موجودة في الشام ، وكنت متحمسة جداً للفكرة لأكثر من ( 7) شركات برمجية وتشبيك ، وجامعات خاصة و طبعاً انتظرت ( 6 أشهر ) ولكن دون ردود ، لأنهم بحاجة لأشخاص يمتلكون الخبرة العملية ، وأنا لا أمتلكها ، كذلك حاولت في المدينة الصناعية بحسياء ، لكن دون جدوى كما قدمت لوظائف كثيرة ضمن مجال اختصاصي في الهندسة ، وللآن بانتظار الرد .
أحزن كثيراً على الواقع الذي وصلت إليه ، وأشعر بأن دراستي لخمس سنوات وخاصة مجال دراستي ، الصعب جداً قد ( ذهبت مع الريح ) خصوصاً أنني مضطرة للعمل ، حتى أساعد أهلي في مصروف البيت ، حيث اضطررت في السنتين الرابعة والخامسة لإعطاء الدروس الخصوصية ، ولا زلت حتى الآن أعطي الدروس لمساعدتهم ، وأحس أنني وقعت بدوامة التوظيف التي تقول لك : ( لا وظيفة بدون خبرة ولا خبرة بدون عمل ) وما زلت حتى الآن أبحث عن عمل ضمن مجال اختصاصي ومعرفتي حتى تزداد الخبرة العملية . وحالياً أعمل بالمحاسبة في معمل حلويات في قريتي ، بحكم أنني لم أجد عملاً آخر، غير هذا فالخريج الجامعي قبل الحرب كان وضعه أسهل وأيسر وفرص العمل متاحة أكثر , أما بعد الحرب أصبحت الأمور أكثر صعوبة بسبب الظروف الاقتصادية والشيء الوحيد المغري في العمل الخاص ( الأجر العالي عموماً ) فهم يريدون من المتقدم للعمل لديهم أن يكون متدرباً وجاهزاً للعمل دون التعب عليه أو إكسابه الخبرة .
المحسوبيات
وتقول سامية خريجة كلية السياحة : تخرجت من كليتي بمعدل ( جيد جداً ) لأصطدم بعدها بالواقع المؤلم والبحث عن عمل يتناسب واختصاصي حيث أخذت ساعات في المعهد الفندقي السياحي , وبأجر زهيد جداً , لا يتوافق مع الجهد والتعب الذي أقوم به , وبعدها عملت في فندق معروف , ولكن المحسوبيات والواسطات تلعب دائماً الدور البديل , بأن يأخذ كل شخص المكان غير المناسب حيث عملت فيه كمحاسبة للفواتير وهو ليس ضمن مجالي واختصاصي .
السفر هو البديل
محمود وهو على أبواب التخرج من كلية العلوم الصحية يقول : أوقفت تسجيلي لمدة سنة كاملة بسبب ظروف صحية , لأعود بعدها لجامعتي وكليتي ولكن الواقع الذي نصطدم به مع بعض الدكاترة أحياناً والمزاجية , اضافة الى وضع الخريج ما بعد التخرج ( عدم التوظيف ضمن الاختصاص ) جعلني أفكر بالسفر ملياً وجدياً رغم أنني دخلت الكلية عن رغبة ومحبة في هذا الاختصاص ولكن على ما يبدو الواقع هو الذي يفرض نفسه ويفرد أجنحته ليأخذنا الى حيث هو يشاء بعيداً عن مقدراتنا العلمية واختصاصاتنا وطموحاتنا التي تتبخر الى غير رجعة .
الأسباب والحلول
قنان أحمد خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية وطالب دكتوراه يقول : قالت لي جدتي عندما تكبر أتمنى أن يصبح في أسرتنا طبيباً ماهراً وبقيت على العهد الى أن أصبحت في الجامعة ولم أكن أعلم أن أملي سيضمر أمام قسوة الواقع خارج التعليم الأكاديمي والذي كان أسوأ بكثير من الحرب الملعونة التي فرضت نفسها علينا سنين طوال , فبعد أن كان المقعد الجامعي حلماً وأملاً لكل طالب يهوى أن يتميز في تخصصات معينة وأن يكون مبدعاً ومتفوقاً ولكن الواقع الحالي صادم فلم تعد الشهادة الجامعية ذلك الحلم وهو ما دفع الى أفكار وتوهمات في أذهان الطلبة تجاه بعض التخصصات وربطها بسوق العمل والمستقبل بعد التخرج اضافة الى تدني التحصيل العلمي وارتفاع معدل البطالة بين الجامعيين ناهيك عن الجامعات التي تعج بمئات الألوف من الطلبة المستجدين ولهذه المشكلة أسباب وحلول أولها وأساسها الطالب نفسه , فلماذا نلقي اللوم والمسؤولية على الجامعة في إيجاد فرصة عمل للطالب ؟! إن الجامعات والمعاهد مهمتها الرئيسية التعليم والتدريب والتربية والتقويم فقط , ذلك لأن للتوظيف وزارته المعنية وإدارته المتخصصة وجهاته الحكومية وسبله المعروفة أيا كانت الشهادات أو التحصيل الدراسي فسوق العمل في مرحلة زمنية يحتاج الى خريجين وتخصصات معينة أكثر وربما في مرحلة زمنية أخرى نحتاج الى خريجين وتخصصات أخرى بشكل أكثر , وهنا تبرز مواهب الطلبة وذكاؤهم في اختيار التخصصات المناسبة لقدراتهم وعدم الركون الى أي تخصص بشكل عشوائي وإلا سيكون مآلهم كما هو الواقع ويا حبذا أن تستغل قدرات الطلبة في فترة الإجازات أو حتى في فصول الدراسة خارج أوقات الدروس في انضمام الطلبة الى دورات مكثفة في اللغات وعلوم الحاسوب فشهادات الخبرة ووثائق الحصول على دورات لغوية أو حاسوبية أو إدارية قد تشكل رافداً من روافد المفاضلة والتعيين وما أود أن أشير إليه أن الكادر الأكاديمي في الجامعة يتوجب عليه الاهتمام أكثر بربط الطالب بواقعه خارج الجامعة من خلال مقررات تسانده على ذلك إذا كان فرعاً نظرياً من خلال تزويده بالمعارف والمهارات العملية إذا كان فرعاً عملياً ولكن رغم كل الصعوبات والظروف التي مررنا بها حققت رغبة جدتي في أن أصبح دكتوراً ولكن في اللغة العربية .
رحلة البحث
تقول الدكتورة روعة الفقس في كلية الآداب : يتخرج الطالب ليصطدم بواقع مؤلم حيث لا شواغر وظيفية تستوعب العدد الكبير ليبدأ الخريج البحث عن مهنة ويكون مستقبله مضطراً للعمل بمهنة أو وظيفة بعيدة عن اختصاصه وهذا واقع المقاهي والمطاعم التي امتلأت بخريجي الجامعات الذين أفنوا من حياتهم ما بين الـ ( 4-6 ) سنوات دراسة ليمتهنوا مهنة ليس لها علاقة بالشهادة الجامعية التي أخذوها , الأمر الذي يدفع البعض للتفكير بالهجرة والعمل في الخارج ولذلك حرصاً على شبابنا ومصلحتهم يجب أن ندرس الاستيعاب الجامعي ، وحاجة المجتمع ،وتوفر الشواغر الوظيفية لخريجينا
خيار واحد
أما الدكتور نضال صطوف عميد كلية العمارة يقول : بالنسبة للمهندسين ، فإن الدولة تلتزم بتوظيفهم ، ممن حصلوا على معدلات جيدة ، أما البقية يفتحون شركات أو مكاتب هندسية خاصة ، ولكن بعد ظروف الحرب القاسية التي تعرضت لها سورية سيتم إحداث آلاف الشركات المحلية والعربية والعالمية ، ضمن إعادة الإعمار وحسب القوانين السورية سيكون العاملون من مختلف الفئات وكافة الاختصاصات لا يقلون عن (50%) منهم وبالتالي فإن جميع خريجي الجامعات حكماً يجب أن يجدوا فرصة للعمل في المراحل القادمة ، فليس أمامهم إلا خيار واحد وهو العمل ضمن القطاعات الخاصة ، لأن العمل مرتهن ضمن حركة البناء ( تنشيط البلد ) وبالتالي ينعكس ايجاباً على الفرد والمجتمع ، وفي المستقبل ستكون حركة إعادة إعمار سورية وبالتالي ستشهد حركة بناء انشائية ، حيث أن هناك عدداً كبيراً من الخريجين إما سافروا للخارج ، أو امتهنوا أعمالاً خاصة ، ونحن في كلية العمارة توجهنا الدائم في تأهيل الخريج للعمل في الشركات ضمن مرحلة إعادة الإعمار .
خلق فرص عمل
ضمن الواقع الصعب وخصوصاً بعد سنوات حرب مريرة يجب أن يكون هذا الواقع الصعب حافزاً للجيل الشاب وتحد لهم لإكمال دراستهم وكلهم أمل واصرار على تحقيق المستحيل وذلك بفتح باب سوق العمل الذي يستوعب الخريجين في مجال دراستهم واختصاصهم ، بالإضافة الى نقطة هامة وهي ضرورة تخفيض سن التقاعد فكم من الموظفين ماعادوا قادرين على أداء وظيفتهم إما بسبب تقدم السن أو لأسباب صحية أو اجتماعية وبنفس الوقت كم من شاب ينتظر على باب الأمل فرصته لإثبات جدارته وقدراته العلمية وضرورة القضاء على الواسطات والمحسوبيات التي تحرم البعض من فرصتهم بالعمل والذين هم الأحق فيها .
رهف قمشري
المزيد...