غصت قاعة سامي الدروبي في المركز الثقافي في حمص خلال حفل تأبين الشاعر الراحل ممدوح سكاف بالأصدقاء والمحبين من زملائه وتلامذته , في مشهد يشي بالوفاء لقامة أدبية حمصية ثبتت أقدامها على الساحة السورية والعربية والعالمية بعد ترجمة معظم أعماله للعديد من اللغات …كنا هناك وعدنا لكم بالمادة التالية :
أخلاق سامية
الدكتور عبد الرحمن بيطار رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بحمص قال في كلمته : غادرنا الشاعر ممدوح سكاف بجسده ولم يغادرنا بفكره .وسيبقى حياً بيننا لأننا عرفناه بأخلاق سامية ,وكل من يقصد فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب عضواً زميلاً أو شاباً هاوياً كان يعجب مباشرة بالأخلاق العالية التي يتميز بها الشاعر الراحل ,وقد عرفته منذ بدأت أتردد إلى فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص …كان شاعراً رقيقاً يحترم عمله جداً ويهتم بجميع النشاطات التي يقيمها فكان يتصل بي ليؤكد موعد المشاركات وكان حريصا على الالتزام بالوقت واجتماعنا هذا لنؤكد استمرار اهتمامنا برجالات الفكر. وإحياء للغة العربية التي كانت ولا تزال عنوان هويتنا والرابط بين أبناء البلد الواحد وبين الماضي والحاضر ,ولقد اهتم الراحل ممدوح سكاف باللغة العربية فكان علماً من أعلام حمص له مبادرات بيضاء على الكثير من أدباء حمص لا سيما الشباب منهم ,وذلك بفرحه الغامر بالشعر والشعراء كلما فاز واحد منهم في مسابقة هنا أو هناك .
قل لي ..غفرتَ لسارق النار
تمحورت كلمة الأستاذ مالك صقور رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية حول موقف الشاعر السكاف من الحرب الظالمة التي شُنت علينا ,لا سيما ممارسات العنف والخطف من قبل الإرهابيين… التي وقعت في حمص في بداية الحرب حيث قال: ملتقانا اليوم لنحيّي ونحيّي ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل الشاعر ممدوح السكاف وهو الابن البار لحمص العدية ,فيها ولد ونشأ وترعرع ,فيها درس ودرَّس,حيث كان مدرساً في ثانوياتها وصحفياً باحثاً في شؤون الأدب والشعر, ومن مؤسسي رابطة الخريجين الاوائل ونقيباً للمعلمين في حمص ,دافع عن قضاياهم إذ لا يزال طلابه يذكرونه كلما ذُُكر مدرس ناجح , كما كان مديراً للمركز الثقافي في حمص دعا إليه العديد من الأسماء الهامة في الأدب والبحث الأدبي على مستوى سورية والوطن العربي.ثم ترأس فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص لأكثر من 25 عاماً وعلى يديه كبر فرع الاتحاد في حمص ,وأصبح يضم أسماء لامعة هم من خيرة كتاب سورية والوطن العربي .موضوعات شعره وجدانية وقومية ووطنية, ومن مجموعاته الشعرية : مسافة للممكن مسافة للمستحيل, ,فصول الجسد ,نشيد للصباح ,الحزن رفيقي ,الصومعة والعنقاء ,كما كتب دراسة هامة عن الشاعر الراحل عبد الباسط الصوفي ,ولديه كتاب نقدي مهم عن تأمل الشعر ضمنها مكاشفات سارق النار وهذه المكاشفات يتوجب على الشعراء الشباب قراءتها وحفظها عن ظهر قلب لأنها تعلم :من هو الشاعر وكيف يجب أن يكون الشعر .كما كتب الشاعر الراحل عن حمص ومكتباتها وجوامعها ومقاهيها وشعرائها ,ولقد عز على الأستاذ ممدوح وصعب عليه ما جرى في حمص في بداية الحرب فلم يتقبل ذلك لأنها حمص التي جمعت بين أخلاق البادية وطبائعها من مروءة وشهامة وبين المدينة وما تمثل من دار المعلمين وجامعتها..حمص التي تستقبل غلال الفلاحين من مختلف جهاتها وتوزعها في أنحاء سورية ..حمص الميماس وقطينة ..حمص مدينة الشعر والشعراء حمص مدينة خالد بن الوليد وعبد السلام عيون السود حمص الآمنة .
وتابع رئيس اتحاد الكتاب العرب بالقول: لقد اتصل بي الراحل حينها قائلاً: هذه الفظائع واردة من الخارج فقلت له حينها يتطلب ممن يهمه الامر أن يدعو علماء النفس والاجتماع لتحليل ما جرى في حمص فقال: وهل تعتقد أننا كمثقفين مقصرون في نشر الوعي …وتابع الأستاذ صقور :الرحمة كل الرحمة للشاعر الراحل ..ولأسرته الصغيرة والكبيرة على امتداد الوطن العربي كل الصبر والسلوان .وختم بمقطع من قصيدة «سارق النار» للراحل السكاف: من غابة القصب التي زرعت يداك /قطفتُ مسماري /إني سرقتك سيدي /قل لي ستصفح عن يدي /قل لي غفرت لسارق النار .
كان حداثوياً فكراً وشعراً
المسرحي العتيق فرحان بلبل زميل الشاعر الراحل وصديقه لردح طويل من الزمان قال في حفل تأبين السكاف: عرفت الراحل منذ المرحلة الاعدادية وكان معروفاً ببراءته ولطفه كانت براءته تحمل الحب الصافي لكل ما هو خير ونبيل, وقد حمل ممدوح براءته هذه إلى عوالم الشعر والقصة ثم ما لبث أن غادر القصة لينصرف للشعر لقد أحب الحداثة في الشعر ونظَّر لها في مقالاته , وكان يرى الحداثة في جميع الفنون وليس فقط في الشعر ..لقد كان مدافعاً مستميتاً عن أدب الشباب فكان يقيم منذ الثمانينات مسابقات أدبية للأدباء الشباب ثم يستضيفهم في مهرجان تشرين الشعري الذي يقيمه الاتحاد كل عام وظل ممدوح رحمه الله يرافقني في كل نشاطاتي المسرحية ناقداً حيناً ومؤيداً حيناً آخر حتى عندما تفرغت للعمل في فرقة المسرح العمالي .كان رحمه الله يقابل الكلمة الطيبة بأحسن منها ويتغاضى عن الكلمة السيئة .
الحزن رفيقه
الشاعر الدكتور غسان لافي طعمة قرأ قصيدة عمودية عدد فيها مناقب الفقيد التي عرفها فيه أهل حمص خاصة بعد هذه الحرب الكونية فقال:
إلى من قطع مسافة للممكن – مسافة للمستحيل وسار على مذهب الطيف والحزن رفيقه ليواجه الانهيارات
– إلى الشاعر ممدوح السكاف –
حملت حزنك والأحباب والوطنا
ورحت تشعل في جمر النّوى شجنا
وخلفك البيت يبكي روح مكتبة
فماالتفت ولاقلب إليه رنا
أبناؤك الكتب الخضراء معولة
وأنت أعجز أن تلقي لها أذنا
فظلك الرعب يجري حيثما سقطت
قذائف الحقد عهرا ً والدمار دنا
وأنت ، أنت خدين الحب تحمله
طي الحنايا ، وتجنى منه ماثمنا
فتلك – لورا – تزيد الشال عندلة
فيصدح النثر حبا ً والقريض غنى
في حضرة الماء سال الشعر من ألق
فزهره الزهر عطرا ً والظلام سنا
في حضرة الماء أنثى الحلم في جسد
وطيف عشتار شوقا ً بالحرير حنا
لكنه الحزن ماأغفى على هدب
إلا تكسر جفن والفؤاد عنا
حزن ، رفيق، على الأيام ، توءمة
تقول : إني الأسى ، يعلو يقول : أنا
من لثغة الطفل حتى ثلج سالفة
وأنت تحمل في وجدانك الحزنا
حزنا ً ..لورد ..وديك الجن يذبحها
حزنا ً- لوصفي – يعاني الرعش والوهنا
حزنا ً لمغترب – الصوفي – مؤتلقا ً
وعودة في انطفاء يحمل الكفنا
وأي حزن لقدس بعد أندلس ؟؟
ضاقت به النفس غماً والخراب بنى
وأي حزن لحمص حين تقلعها
كمقلة العشق لم تعرف بها وسنا ؟
أنت المحب ولولا ظلمة ظلمت
مااختار قلبك إلا روضها سكنا
لكن نزعت من الأعماق ذاكرة
كيلا تحسّ اغترابا ً يثقل الزمنا
فنم قريرا ً شقيق الشعر في أدب
قد كنت في روضه العصفور والفننا
وفي الثمانين أكملت المسير جوى
وفلّ قلب بغير الحب مافتنا
لك القوافي عشيقات وأي نوى ً
يباعد النورس الولهان والسفنا
ممدوح .. إنك باق في سرائرنا
سرّا ً من الورد يسري عطره علنا
ممدوح سكاف :يا «أبيه»
الشاعر محمد الفهد قال: من يستطِع أن يصدق من أهل حمص أن الصوت الذي يرنُّ في أذنه ليس صوت ممدوح سكاف ..يا من كنت تزرع كلمة «يا أبيه « على مسامع طلابك ومريديك من الشعراء لا سيما الشباب منهم ساعدنا على احتمال غيابك وتقبل منا صلاة الغائب المكسور يا من زرعت فينا أن الشعر ما زال ضرورياً وما زال ممكناً يعبر عن الانسانية التي تبحث عن خلاصها …هي لحظة درامية حين يفقد الرصيف خطوات الشاعر وهي لحظة درامية حين يتعلق الشاعر بمدينته لدرجة الهوس ويرفض رئاسة اتحاد الكتاب العرب في سورية لئلا يتغرب عن حمص ..هي لحظة درامية حين تنتهي حياة الشاعر في الغربة وحيداً إلا من بعض الأقارب ..حين يفتقد الرصيف خطوات الشاعر السكاف وحين يفقد الكون شاعراً تنادي الطبيعة فلتسمح لي أن أطوف في حمص ,لنرى أثر الفراشات التي أرسلتها والتي تؤكد أن ممدوح السكاف مر من هنا …أصدقاؤك جاؤوا يسلمون عليك رحيلك أنقص القصيدة مفرداتها .
غُربة مُثّلَّثَة
الشاعر العتيق عبد الكريم الناعم بين في قصيدته غربة مثلثة حجم الحزن الذي اعترى السكاف بعد تركه لمدينته حمص بيَّن فيها ثلاثة أنواع من الغربة قاساها في مسيرته الأدبية :الأولى غربة الشاعر التواقة روحه أبداً للتجديد والثانية غربته في شوارع حمص خلال الحرب والثالثة غربة القبر حيث دفن بعيداً عن محبوبته حمص يقول :
لروح الصديق الشاعر ممدوح السكاف
الكلْمةُ أضيَقُ منْ أُفْقْ
في هذا الشّرقْ
كيفَ أُوَسِّعُها في زمنٍ
ماأدري
هلْ يَختزِنُ المُضمَرُ فيه شيئا
من أحوال البرْقْ ؟!!
مِنْ أينَ أَجيئُك ياابْنَ زمانٍ
كُنّا فيهْ….
نُوغلُ.. نوغلُ..
كي لانُصبِحَ سُلّمَةً في ذاك التّيهْ
مِن أينّ أَجيئُكَ
ياطِفلَ ثمانينِ الأيامْ ؟!!
كنتَ نقيّاً، ونظيفاً في زمنِ
مَشبوبٍ بالسُّخّامْ
واسِعةٌ صفحاتُ الذّكرى
كيفَ يَضيقُ الماءُ بذاك المَجرى ؟!!
ظَلَتْ حمصُ غِوايتَكَ المَشغولةَ
مِن حلْمِ الشّعراءِ المَفتونينَ
بأنَ الحلُمَ الأبعدَ..
أَقْرَبُ من ( ميماسِ) التًوْقْ
أَوَتذكُرُ يومَ عزمْتَ علىأنْ
تَخرُجَ منها
أوْ تخرُجَ منكَ
لِعشْرٍ أياماً غِبْتَ
وَعُدْتَ
فيا لِلْغربة ماأصبرَها!!
ساريّةَ للكلْمةِ كنتَ
وللآتينَ لَهافى الشعرْ
طَلَقتَ الغربةَ لكنَّ الغربةَ جاءتْكَ
من الجهة الأخرى
حينَ « دواعشُ» عصرِ الفتنةِ هبّوا
مِن نَتَنِ الأفكارِ الصُّفْرْ
غادرتَ البيتَ لِتنجو
ولِتِنْجو الأسرةُ مِن ذَبْحٍ
كانَ علامةَ هذا العصرْ
أخذوا البيتَ وما في البيتِ
الكُتُبَ، الأقلامَ،
وَأرْصِدةً
لِكتاباتٍ تَتَنَظَّرُ طَلْعتَها ،
وَبعيداً كنتَ وأنتَ قريبٌ
يتأكّلكَ الوحشُ المُرّْ
الغربةُ ثانيةً،
تَتَمشّى عبرَ شوارعِ حمصٍ
ماتَتَشَوَّفُ إلاّ قِشْرتَها
ماهذا السرّ الغامضُ بين اللّبّ
وبينَ القِشْرْ !!
طَعْمُ الغربةِ طعْمُ الجَمْرْ
أَعْرفُهُ،
كمْ عانيتَ ،
وليسَ جميعُ البُعْدِ جفاءً،
غُرْبُةُ طيرْ
فوقَ مُحيطاتٍ
لاالصَّحْبُ على وَعْدٍ
لابَرّْ
مَنْ يستطيعُ تَحمُّلَ هذا القَدْرْ ؟!!
ياطفلَ ثمانينَ اكْتَمَلَ الشّوطُ،
سلاماً
مِمَنْ يعرفُ كيفَ يحنُّ الماءُ
لمجرى النّهرْ
ترجم شعره إلى لغات عديدة
الدكتور عبد المؤمن قشلق ذكر في كلمته الأخلاق العالية والطيبة الآثرة التي كان الراحل يتمتع بها, وبين أن شهرة الراحل تجاوزت الوطن العربي من خلال ترجمة العديد من مؤلفاته إلى اللغات الانكليزية والفرنسية وتابع بالقول: لقد عرفته من خلال مقالاته الدائمة في جريدة العروبة حيث كان يحرر صفحة كاملة يوم الخميس لقد كان متواضعاً جداً فقد اتصل بي ذات يوم يخبرني عن قبول الاتحاد لطباعة روايتي الأولى ثم عاد ليتصل بي ليخبرني عن تعويض مادي لي رغم أني كنت مبتدئاً في عالم الأدب .
أسرته الكبيرة حاضرة بوفائها
كلمة آل الفقيد ألقاها ابن عم الشاعرممدوح السكاف المهندس هيثم الهاشمي ركز فيها على حياته الأولى مع ابن عمه في بيت واحد حيث كانت الدور القديمة كبيرة تتسع لجميع أولاد العمومة وبين أن غرفة الشاعر كانت مليئة بالكتب وكان يجتمع عنده الاصدقاء من فنانين وشعراء فأصدروا مجلة مكتوبة بخط يدهم وسموها مجلة الشلّة كانت تصاغ وتكتب في هذه الجلسات لقد عُرف عنه حبه للمطالعة وقد كانت نقطة تحول في حياته عندما حصل على دار خاصة به عن طريق الجمعيات السكنية لأن عدم وجود مكان للكتب في داره القديمة كان يؤرقه .رحمه الله لقد رأيت أسرته الكبيرة اليوم بحضوركم ووفائكم .
متابعة :ميمونة العلي – سلوى الديب
المزيد...