عندما تذكر تدمر يذكر معها أبناؤها الذين ارتبطت أسماؤهم باسمها .. الشهيد عالم الآثار خالد الأسعد.. الشاعر برهان الشليل الذي لم يبق أثر من آثار تدمر إلا وأنشد له وتغنى به .. أنشد للصغار والكبار وكتب بعض المسرحيات للأطفال .. ومعه كان للعروبة هذا اللقاء .
س1: هل نطل على بداياتك الشعرية حيث تفتحت عيناك في تدمر عروس الصحراء هل تعود إلى تلك الأيام حيث ( الخربشات ) الأولى ؟
أحببت الشعر والأدب منذ صغري وكنت استمتع بالكتابات النثرية التي تحمل البوح والإحساس والمشاعر الصادقة التي شكلت عندي نواة الشعر …من خلال كتابات نثرية يغلب عليها الطابع الأدبي الرومنسي ..أترنم بها وأحس وكتاباتي النثرية هذه ساعدتني في نمو معرفتي وكانت الخميرة في مرحلة كمون ..ظهرت أدباً وشعراً من خلال ما كتبت …كانت موسيقا الشعر تتغلغل في نفسي فأحس بها وأطرب وطالما نحمل هذا القلب الخفاق الذي ينبض بالحب والجمال والإحساس فسنظل نعشق الشعر ونردده ونكتبه .. تدمر ارضي ووطني …طفولتي . ذكرياتي حبي وعشقي يزداد حبها كلما كبرت أعوام عمري ..وأنا اليوم في السبعين من العمر …ومازلت أشعر بالحنين الصادق لتدمر …لزواريب حارتي ومدرستي …ودروبي وواحتي ومجدي انها مسقط رأسي المدينة العتيدة الساحرة التي تتكىء على شرفات المجد وما أجملها وما أغلاها .. ولن أنساها أبداً تحت أفياء أوابدها الشامخة جلست وقرأت ودرست وكتبت وقرب كل حجرة وآبدة خلّفت أجمل الذكريات… وها انذا اليوم أعيشها حسرات بعد نزوح مؤلم منذ أكثر من ثلاث سنين نتيجة إرهاب ..دمر البشر والحجر .. تباً له ولحرب ضروس آلمتنا وأبعدتنا عن واحة مجدنا في تدمر .
س2: كتبت الشعر للكبار ..وللصغار .. وكتبت قصصاً للأطفال .. ولك كتب مطبوعة هل تحدثنا عنها ؟!
نعم لي عدة مؤلفات مطبوعة
كتاب أغنيات إلى تدمر ..عام 2002 وهو كتاب توثيقي أدبي لما قيل في تدمر من أشعار من العصر الجاهلي وحتى آخر قصيدة حديثة حصلت عليها لشعراء عرب وأجانب .. ومحليين مع مقدمة تاريخية عن تدمر .. وأهميتها وذكر لمواقعها الأثرية المتعددة .
ولي مجموعات شعرية في أدب الأطفال قمت بطباعتها عام 2006وعام 2009 وهي صديقتنا البيئة وتدمر حكاية الزمان و( يا ربنا يا ربنا )
ولي مجموعة قصصية للأطفال لم تطبع بعد بعنوان ( زينب وطائر النوق ) قصص هادفة ذات مضامين تربوية وصحية وتعليمية ووطنية .
وخلال وجودي في ( حمص ) منذ منتصف عام 2016 يوم نزوحنا عن تدمر كتبت أربع مجموعات شعرية للأطفال .. فمن الألم يولد الأمل والحلم والإبداع .. حيث أمضي أغلب أوقاتي في بيتي المتواضع في حمص ولا يمر عليّ يوم بدون كتابة وأنشر ما أكتبه في صحيفة العروبة التي اعتز بها منذ أكثر من عشرين عاماَ … وأجد فيها دوحتي الخضراء الجميلة .. المجموعات الشعرية في حمص هي ( أناشيد الى أمي في عيدها ) ( لبيب صديق البيئة ) ( أناشيد لوطن أخضر ) ( هيا نفرح يا صغار ) وهي الآن قيد التنضيد وسأعمل على طباعتها مستقبلاً إن شاء الله , وأنا سعيد بما أقدمه لأطفال الوطن بعد حزن وألم ذاقوه في ظروف صعبة وهم الحلم والوعد والأمل لهم نظل نكتب ونشدو وقد قامت وزارة التربية مشكورة والمركز الوطني لتطوير المناهج التربوية باختيار بعض قصائدي وأناشيدي للأطفال وإقرارها في مناهج التعليم الأساسي لهذا العام 2018– 2019 في مادة التربية الموسيقية للصف الثاني وللصف السابع وكانت فرحتي عظيمة .. فهذا واجبي الوطني والتربوي .
س3 : كيف ترى دور الشعراء في التصدي للمؤامرة الكونية التي تتعرض لها سورية ؟ وفي مقاومة الإرهاب .. وهل أدى الشعر دوره .؟
-للشعراء دورهم الذي لا ينكر فهم فرسان الحرف المنتمي لحب هذا الوطن الغالي وهم الذين يوقظون في نفوس أبنائنا مشاعر حب الوطن .. والدفاع عنه في الظروف الصعبة التي يمر بها .. وفي الحرب القذرة التي خطط لها لتدمير الوطن .. وخرابه وتقهقره .
إن الكلمة والقصيدة .. كالرصاصة والبندقية والمدفع كلها صمود ومقاومة في التصدي للإرهاب .. وما أحوجنا في ظروفنا الصعبة للشعر لأنه وجدان الأمة وضميرها الحي وصوتها المدوي في وجه التحديات .. والمطلوب هو زرع ثقافة التنوير .. في نفوس أبناء شعبنا لاثقافة التضليل .. وتلك مهمة أساسية يتصدى لها شعراؤنا وأدباؤنا وهنا أتساءل ما هو دور شعرائنا في النشاط الثقافي الآن ؟ وهل أدوه كاملاً ..؟ فالبعض أخلصوا الحرف .. وظلوا يكتبون وينشدون للوطن .. والبعض صمت وتوقف عن الكتابة .. وآخرون هجروا وطنهم .. وهم الآن نادمون .. فالمطلوب من الجميع وهم الضمير الحي وصوت الوطن .. أن يفضحوا مخططات وأهداف الاستعمار .. التي أعدت لتدمير قطرنا .. ومقاومة الإرهاب ونبذه أينما وجد وهنا أحيي شعراء هذا الوطن الذين أخلصوا له والذين يسعون لبناء وطن أخضر جميل ترفرف فوقه رايات المحبة والسلام .
ما أروعهم .. لهم التقدير والمحبة فالوطن يحتاج لجهد الجميع وكل حسب موقعه وأن نكون جميعا ً غرسة مفيدة في الوطن .. خير من أن نكون غابة في منفى .
س 4 : لاتذكر تدمر .. إلا ويذكر معها أعلام مثل الشهيد عالم الآثار خالد الأسعد و الشاعر برهان الشليل .. ما الذي أعطته تدمر لك كشاعر ؟!
الشهيد والعالم الأثري القدير خالد الأسعد اقترن اسمه بتدمر فأينما تذكر .. تدمر يذكر هو عاشقها .. وقارىء أمجادها ونقوشها .. لروحه السلام في الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاده ..كان وسيظل أحد أعمدة تدمر .. التي لاتفنى ومنقب آثارها ومكتشف معابدها ..ومدافنها العظيمة على مدى أكثر من ستين عاما ً .. جبل عرقه بترابها ورمالها واسمرت سواعده بشمسها وهو ينقب عن أمجادها في حر الشمس اللاهب وقدم لتدمر ولوطنه سورية وللعالم كله علما ً ، وأبحاثا ً ومكتشفات ودراسات أثرية كثيرة وثمينة فهو بحق حام وحارس أمين لمجد تدمر وكنوزها العظيمة لإرث إنساني رائع للبشرية جمعاء وقد جمعتني وإياه صداقة ومحبة فكنا نتبادل وإياه مانكتب ويحب الشعر وكان ذواقة له وهو يتمتع بأسلوب أدبي راق جميل حتى في كتاباته الأثرية وأبحاثه .. رجل محبوب من قبل الجميع قمة في الأدب ونبل الأخلاق والتواضع .. وكم كنت سعيدا ً عندما اختار بضعة أبيات من أشعاري في تدمر ليضعها في آخر كتاب له ألفه وهو بعنوان (زنوبيا ملكة تدمر) وأنا أكنّ له كل احترام ومحبة وتقدير حتى في مماته …وفي رثائه قلت :فانعم اليوم شهيدا ً بخلود بجنان اسمك الخالد يبقى مشرقا ً كل زمان.
… لقد أعطتني تدمر الكثير .. وأنا ابنها البار ومعشوقها الذي لاينساها .. وواحتها الخضراء الغناء ملاذي وطفولتي وشبابي تحت أشجار نخيلها وزيتونها وتينها ورمانها وقرب نهرها جلست وغنيت لها أجمل أشعاري هي بوحي واشتياقي ووطني وملهمتي وباعثة شعري .. ونسائم ليلها الباردة اللطيفة الصافية عطر يلطف مساءاتها الندية .. وليلها المقمر وهدوؤها الساحر ونسائمها توقظ فينا مشاعر الحب والإحساس والاشتياق .. وأوابدها مجد وفن يأسر قل مثيله في العالم .. كانت تدمر وظلت معشوقتي الأبدية .. ولها أخلصت الحب والود .. كتبت لها الكثير من الشعر .. ولن أنسى باديتها الخيرة المعطاء .. وأرضها الخصبة الخضراء .. وربيعها الساحر .. وأزهارها البرية بألوانها الزاهية الجميلة .. وطيورها ونعامها وغزلانها وبقرها الوحشي ومهاتها في أجمل وأضخم محمية طبيعية .. تدمر لوحة فنية ثمينة نادرة بفنها وظلالها وخطوطها وسحر أوابدها .. لقد أوحت إلي الكثير ولن أنساها .
س5:كيف ترى صدى أشعارك في كتابات النقاد ..هل أنت راض عن النقد ؟!!
النقد هو البوصلة التي تصحح مسار كتاباتنا ..وبها نهتدي للصح والصواب وأنا أحترم كل من يوجهني بسهام نقده ..وحدها تلك السهام ..تزيدني عطاءً ..واستمراراً في كتابة الشعر ..وأنا راض عنها ..وأصحح ..وأعدل أحياناً في كلمات شعري ..ولا ضير في ذلك ..فجل من لا يسهو ..وجل من لا يخطئ .وأشكر كل من يشير إلى مواطن الخلل في شعري واحترمه وأقدره وكلنا يسعى للأفضل في كتاباته وشعره .
هل تحدثنا عن آخر أعمالك الشعرية وأنت تقيم الآن في حمص منذ سنوات ..وهل كان لحمص نصيب في شعرك ..؟!!
…آخر أعمالي الشعرية ديوانا شعر أنهيت كتابتهما مؤخراً وهما الآن مخطوطان جاهزان للطباعة مستقبلاً ..الأول بعنوان /بوح لبقايا ذكرى /وفيه جمعت القصائد القديمة التي كتبتها في تدمر خلال سنوات ما قبل الحرب ..والديوان الثاني بعنوان (حبيبتي تدمر )وهو قصائد تدمرية تفيض بالحب والحنين واللوعة لتدمر وأمجادها مائة وخمسون قصيدة شعرية من الشعر العمودي /ألفا بيت من الشعر لعيني تدمر /وهو وثيقة أدبية تاريخية في زمن صعب من إرهاب وخراب ودمار وحمص التي أحبها وأعشقها لا أنساها أبداً توقد في نفسي دفء المشاعر ورقة الأحاسيس وبوح الشعر
ومن قصيدة تحمل عنوان /حمص الجميلة /اخترت هذه الأبيات :
أحمص أنت قافيتي
وفيك عيشنا الرغد
ورودك ما أحيلاها
بها السحر بها الود
وفجرك وجه فاتنة
وطيرك عاشق غرد
هنا دربي ومدرستي
هنا الأحباب ما بعدوا
سلاماً أنت أغنيتي
ولن أنساك يا بلد
عيسى إسماعيل
المزيد...