منذ وقع «ترامب» قراره القذر بشأن الجولان العربي السوري انطلقت مسيرات الاستنكار والشجب لهذا القرار والأدب هو مرآة الشعوب التي تعكس ما يحرك وجدانها لذلك تناولنا في هذه المادة بعض ما قاله الشعراء في أرض الجولان الحبيبة:
غرس الجولان في نفوس الطفولة
الشاعر برهان الشليل يؤمن أن تربية الاطفال على قضايانا المحقة هو أهم أشكال المقاومة لذلك كتب العشرات من القصائد الموجهة للاطفال التي تحكي عن أرض الجولان ويقول في هذا الصدد: الجولان أرض سورية ,لا يمكن التخلي عنها ,رويت بدماء أبنائها الذين دافعوا عنها، فلا يمكن نسيانها ، ولا نقبل أن تكون هذه الأرض تابعة للكيان الصهيوني وكتبت قصيدة موجهة» لطرامب» بعد توقيعه بضم الجولان للكيان الغاصب ورفض الشعب العربي السوري وأطفال سورية لهذا القرار : جولاننا الحبيب… وقّع توقيعك لا ينفع …أرضك يا جولان سترجع …وسترفع آيات النصر تخفق فوق هضابك تسرع … أطفال تشدو وتغني يا جولان نحن المدفع ..
أرواحنا معلقة هناك
الشاعر والباحث عبد الكريم الناعم يقول في تناوله لقضية الجولان من خلال نتاجاته الأدبية : كتبت عن الجولان بنتاجاتي النثرية أكثر من كتاباتي الشعرية ، وكتبت عنها كتابة حميمة حين دعينا ذات يوم لمؤتمر أدباء في دمشق ، فذهبنا إلى القنيطرة المهدمة ، فتحدثت لصديق من حماة اسمه سعيد قندقجي بعض المفردات الصغيرة ففي حلب 1973 كان لدي أخوان يقاتلان أحدهما في الجبهة الوسطى والآخرفي الجبهة الجنوبية ،وطوال فترة الحرب كانت أرواحنا معلقة كغيرنا في تلك المنطقة وذكرت له بعض الأحاديث الصغيرة فبكى ، فقال: لماذا لا تكتب هذا الشيء؟ وفعلا كتبته بكتابات نثرية ، وذلك في مشروع صدر الجزء الأول منه بعنوان مدارات سيرة زمن منذ الطفولة حتى صباح 1963والجزأين الآخرين أنجزتهما وهما قيد الطباعة .
الجولان في القلب
الشاعر حسن قنص ابن الجولان الأبي الذي كرس جل شعره ونثره لخدمة قضيته في سبيل تحرير الجولان لاسيما في روايته المعنونة بـ « الجولان في القلب» التي نشرها عام 2007 .تحدث فيها عن العلاقات الاجتماعيّة الجميلة التي تلم شمل أهالي الجولان جميعاً من حيث الألفة والتّعاون في جميع الأعمال مثل سقف المنازل ومساعدة المُتأخر في حصاد زرعه ، كما وثّق في هذه الرواية للعديد من الأهازيج الوطنية في أعراس الجولان وأثناء العمل في الحقول ، كما تحدث فيها على لسان شخصياته عن معاناة أهالي الجولان وتعاونهم فيما بينهم لإخماد نيران الحرائق التي كان يتعمّد الكيان الصهيوني إشعالها في الهشيم الموجود على خطّ الهدنة لتسوقها الرّياح الغربية وتصل إلى حقول القمح ،كيف كانت النّسوة تحملن جرار الماء ليشرب الرّجال الذين يقطعون طريق وصول الحريق إلى الزُّروع بضرب الهشيم المشتعل بأغصان أشجار البلّوط والبُطْم المورقة وبأكياس القنّب المبلّلة بالماء ، وهذه الرواية بالإضافة لما تقدمه من ملخص بسيط عن حياة السوريين تحت نير الاحتلال الصهيوني فقد تضمنت أيضا الموقف العربي المتخاذل حيال قضية الجولان .
وننتقل من الحديث عن رواية الشاعر حسن قنص إلى الحديث عن نتاجاته الشعرية ومنها قصيدة «حنين» المفعمة بالحنين لبيته في «زعورة» وإلى كرمه وساحات بلدته التي كانت تُنْصَبُ فيها الدّبكات في المناسبات الاجتماعية والوطنية ، كما يتحدث الشاعر عن آبار الجولان التي كانت مورداً للعُشّاق ، إلى العرزال ، و العلكة التي كانوا يستخلصونها من صمغ البُطم ، وقد لحّنَ بعض أبيات الحنين الأستاذ المرحوم أسعد ليلى .
ومن الجدير بالذكر أن الشاعر حسن قنص كان أسيراً في يد العصابات الصّهيونية عام 1967 لأنه رفض مغادرة قريته حيث بقي في سجن «عتليت» سبعة وثلاثين يوماً جنوب حيفا في فلسطين المحتلّة .
ثم بعد نزوحه القسري من قريته كتب مقالات كثيرة عن الجولان ونشرها في الصحف المحلية ومنها صحيفة الجولان حيث كان صاحب فكرة زاوية ثابتة بعنوان : «كي لا ننسى قرانا المحتلة» في تلك الصحيفة واستمرّت الكتابة في كلّ عدد عن قرية من قرى الجولان حيث يتمّ الحديث عن بيئة القرية موضوع المقال وعن النّشاط الاقتصادي والاجتماعي .
قمع فكري واقتصادي
كما كتب الشاعر قنص عن نضال وصمود أهلنا الباقين في ظل الاحتلال وكيف رفضوا الهوية الصهيونية رغم التّرغيب والتّرهيب ، وكيف رفض المدرسون في الجولان المحتل تعليم المناهج الصّهيونية وعمل الحاكم العسكري الصّهيوني على فصل من رفض تعليم المنهاج الصهيوني من عمله وكيف دعمتهم الدّولة السّورية وأعطتهم رواتبهم وكأنّهم على رأس عملهم ، كما سوقت إنتاج المزارعين السّوريين في الجولان المحتل لدعم صمودهم ، ولم ينسَ شاعرنا قنص أن يتحدث عن أسرى أبناء الجولان المحتل في سجون الاحتلال حتى الآن حيث بلغ عددهم خمسمائة أسير .
هنا الجولان إعصار ونار
كتب الشاعر عبد الرحمن حيدر قصيدة مطولة عن الجولان ,يبين فيها أسفه الشديد على ما يحدث في أرض الجولان من انتهاك للأعراف والمواثيق, فيقول: أذبت الحرف من وجد فذاب /على الجولان واحتضن التراب /أذبت الحرف وهج دم تجلى /فداء واغتلى غضباً وصابا/.
والشاعر لا يكتفي بوصف لوعته بل يجترح الحلول بالمقاومة للوصول إلى التحرير الكامل لكل ذرة تراب فأرض الجولان ما زالت تحمل آثار أقدام السوريين ومازال تحدي أهل الجولان لكل الممارسات العدوانية الصهيونية يلهم الشعراء لصوغ هذا التحدي شعراً مشرقاً مقاوماً يقول الشاعر عبد الرحمن حيدر: هنا الجولان إعصار ونار /وبحر يملأ الدنيا اصطخابا/لنا الجولان نزرعه ضحايا /ونملأ أرضه أسداً غضابا. إذن الحل كما يرى الشاعر بالغضب وتقديم التضحيات دون هوادة حتى تتحرر الأرض فيتابع : أجولان العروبة مد عطفاً /على الآفاق يلتهب التهابا/أذب صدأ السنين بوهج نار /تُشَبُّ دماً,وتختصر الحساب.
لا يموت حق وراءه مطالب
الأدب مرآة الواقع التي تعكس لنا عودة الجولان مهما طال الزمن طالما أن أهله لن يتوانوا لحظة عن تقديم التضحيات وهذا الأدب الملتزم الذي صاغه الأدباء أكبر دليل على وجدان هذه لأرض التي لا تقبل الظلم والاحتلال مهما طال.
المزيد...