نادرة هي الكتب التي تتخصص بالمسرحيات الموجهة للطفل وعندما يطبع أي أديب مجموعة متخصصة في هذا الشأن يحتفي الوسط الادبي بها كتحفة نادرة في زمن الخواء من هنا رأينا أهمية الغوص في كتاب «معاً نمثل ونلعب » للأديب هيثم يحيى الخواجة حيث أغلب الشخصيات المسرحية في هذا الكتاب من الأطفال كما في مسرحية (مدينة الأزهار) ,فجميع الأطفال يتميزون بالمبادرة، ولا تنقصهم الشجاعة. إذ يقوم الأطفال في (مسرحية الكنز) بمغامرة جريئة داخل كهف عجيب، ليكتشفوا أن الكنز الحقيقي ليس في أكوام الذهب والفضة، بل في نشر الحب بين الناس والتعاون على مقاومة الشر. ومثل هذه الأطروحات تتكرر بطرق مختلفة، كما في مسرحية (أبو ليرة) حيث ينجح الأطفال بإيقاف صاحب معمل يلوث البيئة عن الاستمرار في استغلال العمال والإساءة إلى الموارد الطبيعية.
وقد اعتمد الدكتور الخواجة في كتابه هذا: (معا نمثّل ونلعب) تقنيات متعددة في طريقة العرض، وصنع الحدث، وانتقاء الشخصيات. إضافة إلى أغان لطيفة خفيفة الوزن، أضفت المزيد من التشويق والمتعة والحيوية على المسرحيات,ففي مسرحية (الفرسان الثلاثة) تبرز شخصية (الراوي) الذي يتحدث إلى الأطفال، فهو يمهد لدخول أجواء المسرحية، ثم يشرح بعض الأحداث ويعلق عليها، ليصل في نهاية المسرحية إلى طرح بعض الأسئلة على الأطفال وليوزع الهدايا على الذين عرفوا الأجوبة الصحيحة، وبذلك تحول الطفل إلى مشارك حقيقي في اللعبة المسرحية. ويحضر الراوي أيضا في مسرحية (القاضي الصغير) التي استفادت من إحدى قصص (ألف ليلة وليلة). ومثل هذا التوظيف يقدم التراث الحكائي العربي للطفل بأسلوب يربطه بتاريخه الثقافي بطريقة مناسبة. وفي مسرحية (أسرار المغارة) يستفيد المؤلف أيضا من القص الشعبي، فالحكاية تدور عن شيخ التجار الذي يستغل الناس بنشر الخرافات بالاعتماد على قوة سلطته، ولكن سرعان ما يتصدى له مجموعة من الأبطال بالحيلة التي لا يملكون سواها. كذلك نجد في مسرحية (الحقيبة الملعونة) من يريد استغلال الناس بالطريقة ذاتها، ولكن هناك دائما من يكشف الخداع ويجهر بالحقيقة، وبذلك تتعزز قيم الخير التي تنتصر في نهاية المطاف.
قد تكون شخصيات المسرحية كلها من البشر، كما يمكن أن تتنوع بين الإنسان والحيوان كمسرحية (القطة السوداء) و(عودة ورد) حيث يتحدث الإنسان إلى الحيوان الذي يفهم الكلام ويتحدث بدوره. كما يمكن أن يكون أبطال المسرحيات من الحيوانات فقط كما في مسرحية (قرية الأحلام) ولكن موضوع المسرحية وطبيعة الشخصيات في تلك الحالات تنطق بقضايا إنسانية، فالحيوانات ليست إلا شخصيات محببة لتقديم الفكرة بأسلوب لطيف، فالديك والأرنب والدب الكسالى يفرطون بقريتهم ويرحلون عنها، ولا يكتشفون أهمية الوطن إلا عندما لم يجدوا ملاذا آمنا يعيشون فيه فيعودون إلى قريتهم حيث ينتظرهم الغزال الذي ظل مخلصا لقريته، ثم يجتمعون معا على طرد الغربان عن قريتهم التي تحتاج إلى عنايتهم واهتمامهم. ومن يمعن النظر أكثر في هذه المجموعة المسرحية يجد أن الخواجة يعتني بالمضمون التربوي بالدرجة الأولى، حيث لا تخلو أي مسرحية من مجموعة من القيم الأخلاقية الايجابية التي تنمّي طبع الطفل على محبة الناس، وعمل الخير، ومحاربة الشر، والدفاع عن الوطن، والاهتمام بالبيئة. وذلك دون إغفال القالب المسرحي الذي يعطيه المؤلف أكثر من شكل واحد.وأما الكتابة في مجال مسرح الطفل فتطرح مشكلات أخرى، فالنص المسرحي بحاجة إلى مخرج خبير، وممثلين محترفين، ومكان للعرض مزود بالتجهيزات المطلوبة من ملابس وأثاث وديكور وإضاءة لتقديم عرض مقنع للطفل الذي اعتاد مشاهدة التقنيات البصرية على الشاشة الصغيرة. ولاشك أن الطفل بحاجة إلى فرجة مسرحية توفر له المتعة والفائدة على أكثر من صعيد، فهي تحقق له تجربة حياتية وفنية لا يتيحها إلا المسرح الذي يعتمد على التفاعل المباشر مع المتلقي الصغير.
سامر أنور الشمالي
المزيد...