(أنا حسن بن محمد الوزان . ختنت بيد بربري وعمدت على يد (بابا) أدعى الآن بالافريقي مع أني لست من أفريقيا ولا من أوروبا ولا من جزيرة العرب. إنني أدعى أيضاً بالغرناطي الفاسي بيد أني لم آت من بلد ولا من مدينة بل ولا من قبيلة بعينها أنا ابن السبيل . وطني القافلة وحياتي رحلات بحرية غير متوقعة. ولطالما تعودت ذراعي على عطفات الحرير ومخامل الصوف ومصوغات الأمراء وسلاسل العبيد.
بهذه الكلمات يلخص حسن الوزان حياته عن طريق خيال أمين معلوف المعروف بكتاباته الروائية التاريخية حياة ليون الافريقي وسيرة حياة الرحالة والعالم الجغرافي العربي الحسن الوزان الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي فمن هو ليون الافريقي ؟
هو الحسن بن محمد الوزان وقد ولد في ( غرناطة) وكانت أسرته العربية تعمل في التجارة وتتعاطى العمل الدبلوماسي وقد نشأ الحسن الوزان في مدينة فاس وتتلمذ على علماء ومشايخ ( القرويين ) المشهورين في الثقافة والعلم آنذاك وتخرج في علوم اللغة وآدابها والفقه والتفسير والمنطق وفنونه إضافة الى سائر المعارف الأخرى. وأظهر نباهة ونبوغاً مبكراً فقرض الشعر صغيراً وجادل العلماء والفقهاء كبيراً لكنه لم يتجاوز العشرين من عمره ونال الاعجاب وحصل على الشهرة .
وفي عام 1513 قام بمهمة سياسية الى الأطلس الكبير دامت سبعة أشهر تباحث فيها مع القبائل الساكنة في جبال (دادس) وما حولها . ومن ناحية أخرى كانت إمارة السعديين في جنوب المغرب بزعامة القائم بأمر الله قد توسعت وكبرت وقويت ومن جديد كلفه سلطان مملكة فاس محمد الوطاسي الاتصال بالأمير السعدي الذي سبق أن توطدت صداقته معه من الزيارة الأولى وكانت النتائج تأكيد الود والتعاون بين عاهلي المملكتين في الشمال والجنوب . ويتضح الدور البارز لحسن الوزان عندما اختاره ملك فاس ليكون سفيره الى السلطان العثماني سليم الأول حيث توجه الى الاستانة وعندما وصلها كان السلطان سليم قد غادرها على رأس حملة للاستيلاء على بلاد الشام ومصر في صيف عام 1516 فلحق به الوزان الى حيث المعارك التي انتهت عام 1517 في القضاء على المماليك في مصر والشام وظل الحسن الوزان يتنقل بين بلدان الشمال الافريقي عامين متتاليين الى ان غادر بحراً تونس سنة 1520 عائداً الى المغرب لتقع سفينته في يد القراصنة الطليان الذين كانوا كغيرهم من القراصنة يجوبون البحار للسطو والنهب فأسروه بالقرب من جزيرة ( الجربا) التونسية وهنا تغيرت حياته الى منعطف جديد أوقعته به الأقدار ليسوقه القراصنة الى نابلي لكنهم لم يبيعوه كغيره ( في سوق النخاسة ) وقدموه الى (بابا روما ليو العاشر ) فوجد فيه بغيته واختبر فكره وثقافته وسرعة بديهته ورجاحة عقله فتوثقت الصلة بينهما وحضه على الدخول في مذهبه وأعطاه اسمه فصار يدعى ليون أو يوحنا الأسد الغرناطي أو الافريقي وبعض الباحثين فسر تحوله الى النصرانية بخطة اتبعها الوزان كنوع من ( التقية). وقد عمده البابا بنفسه ومنحه اسمه . أمضى الحسن الوزان ثلاثة عقود هي كهولته وبداية شيخوخته أجاد فيها عدة لغات وتأثر بعصر النهضة الأوروبية لكنه في قرارة نفسه كان دائم التوق الى الخلاص من واقع الرق ومن ازدواجية الشخصية المفروضة عليه وما هروبه في آخر الأمر إلا تأكيد لذلك ورغبة ملحة في الرجوع الى وطنه وأهله . وتحقق له ذلك إذ أنه اختفى من روما في ظروف غامضة في عام 1550 حيث عاد الى حياته الاسلامية الأولى وللأسف فإن أحداً لايعلم بعد ذلك هل بقي في تونس أم عاد إلى فاس كما أن وفاته وتاريخها مجهول أيضاً. لم تكن رواية ( ليو الافريقي ) تاريخية بالمعنى الحرفي كما حدثت في الواقع ولو كان قد فعل ذلك لكانت روايته مجرد سرد تاريخي لا روح لها ولا حياة ومع ذلك فقد حرص على أن يضعها من أولها الى آخرها في اطار تاريخي دقيق وقد نجح بأسلوب أخاذ في رسم الصورة المؤثرة واستخدام الحوار الذاتي في تداعي الذكريات للتعبير عن مختلف الخوالج والمشاعر الانسانية ومن ذلك ما حدث للعرب المسلمين الفارين من المذابح ومحاكم التفتيش التي أعقبت سقوط غرناطة مسقط رأس الحسن الوزان . إن الحسن الوزان لا ينكر فضل البابا عليه فقد منحه اسمه وحبه وعندما مات البابا حزن الوزان عليه حزناً شديداً وربما غادر بعد موته الى بلاده لأنه لم يجد من يفهمه أو يقدره كما قدره ذلك البابا الوفي . إن هذه الرواية جديرة بالقراءة ولايمكن لعجالة في جريدة أن توفيها حقها وعلى القارىء أن يحللها من وجهة نظره ففيها الكثير مما يمكن استخلاصه وقراءته من بين السطور .
قراءة:عبد الغني ملوك
المزيد...