إذا قرأنا أمثال وحكم الشعوب جميعها ..لوجدنا الفلسفة عينها ، والتنظير نفسه، لكأن الإنسان في أي زمان ومكان هو طبعة مستنسخة ،فهناك أمثال لكرامة الإنسان ، وأمثال لذله ، وهناك حكم لشجاعته وحكم لجبنه ، فعلى سبيل المثال عش عزيزاً ..أو مت وأنت كريم
وفي الوقت ذاته : ألف أم تبكي ..ولا أمي ..والهرب ثلثا الرجولة ..وكذلك اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ، وخبىء قرشك الأبيض ليومك الأسود .
في الحقيقة يحار الإنسان ماذا يفعل ..هل يكون شجاعاً أم جباناً ..كريماً أم بخيلاً .
أنا من الناس الذين يحاربون فكرة وسائل التواصل الاجتماعي ، لأنها لاتجلب سوى الثرثرة الفارغة والكذب والرياء والخداع ..كثير من الناس لايدركون ماذا تعني طريقة الكتابة باللهجة العامية ، المهم أنهم يكتبون ، وهم يظنون أنفسهم عباقرة في خفة الدم والأدب ، لايعرف أحدهم في الحقيقة ان يصوغ موضوع تعبير لابنه في الصف الثالث الابتدائي ..ولكنك تجده يثرثر في اللهجة العامية مايعادل عشرة أضعاف ماكتبه ماركيز في حياته !! أو تقرأ مقالة لأحد الأشخاص تثير الإقياء لشدة ماتشبه حديثاً في جلسات المتة والنرجيلة وطق الحنك ..
ثم تقرأ أبياتاً من الشعر تدعو إلى المسامحة ، وغفران الأخطاء وصلة القربى ، والحفاظ على الأصدقاء ، ثم تقرأ في القصيدة عينها وللشاعر نفسه ، ألا تجالس الناس السفهاء ، وأن تبتعد عن اللؤماء ، وألا تتخذ من الإنسان الشحيح أو البخيل صديقاً لك .
في الحقيقة هذا ماقرأته لي زوجتي منذ يومين ، فهي -أي زوجتي- لا تتوانى تقرأ لي هذه اللآلىء ، أو هذه الدرر، دون أن تنتبه إلى تناقض المعاني أو تناقض الدعوات في القصيدة ذاتها ، وللشاعر نفسه – ربما كانت زوجتي تريدني أن أصفح وأسامح بعض الأقارب الذين سببوا لي بعض الجراح المعنوية ، فوجدتني اصرخ بها غاضباً .أنا لا أعلم إن كان هذا الشاعر قد كتب تلك الأبيات وهو في قمة العقل ، أم انه كان نائماً ، فتارة يوصي الإنسان بصلة القربى ..وتارة يحذر من صداقة الإنسان اللئيم والسفيه ، حسناً ماذا يفعل المرء حين يكون أخوه لايعرف قلبه الرحمة ..أو الشفقة ؟!
وضربت لها عدة أمثلة عن البعض الذين طاش سهم القدر في طريقة وجودهم إذ هم في الحقيقة من فصيلة العقارب ..ومرتبة الأفاعي ..وصف اللسّاعيات أو اللداغيّات ….ولأن زوجتي إنسانة صفوحة وسموحة وذات أخلاق راقية ، فهي تكتفي بضحكة ناعمة رقيقة تنسف غضبي من تناقض هذا المخلوق الغريب ..الإنسان ..الذي يستطيع أن يجمع في الوقت نفسه بين النبالة والسفالة في الوقت عينه … وبين الرقي والدناءة في لحظة واحدة .
وحاولت مراراً وتكراراً أن أشرح لها حقيقة الإنسان ..إلا انها في كل مرة تؤكد لي أن كل إناء ينضح بما فيه ، فأجدني أتقهقر أمام منطقها البسيط ، وهدوئها الرائع ، إلا أنني أعود بعد لحظات إلى منطقي .. منطق الغاضب من فصام الإنسان بشكل عام ..وتراني اقلّب قنوات التلفاز ، حتى أجد برنامجاً عن الحيوانات ، فأشعر بالراحة والسكينة ، فالحيوان هو مخلوق لا يحمل فصاماً في سلوكه وعقله ..فالغزال يقول لك : هكذا خلقت ..لأكون طعاماً للوحوش.
د. نصر مشعل