د.نزيه بدور: الأديب فيصل الجردي يتصدى بجدارة العارف لأصعب أنواع الرواية

بدعوة من جمعية العاديات قدم الأديب نزيه بدور قراءة في رواية «جوليا» للأديب فيصل الجردي في قاعة سامي الدروبي وهي رواية تاريخية, وظّف الأستاذ فيصل الجردي فيها تاريخاً شخصياً طويلاً وثقافةً واسعة وحكمة عميقة في كتابة الرواية التاريخية الاجتماعية ,كيف لا وهو أحد مؤسسي فرع حمص لجمعية العاديات التاريخية الآثارية وشغل فيما بعد رئيس مجلس الإدارة فيها , وهذا ما أعطاه المشروعية في التصدي لأصعب أنواع الرواية وهو الرواية التاريخية, وكما هو معلوم يحتاج هذا النوع معرفة موسوعية بالتاريخ, كما يتطلب موهبة خاصة في التحليل وبناء النتائج، ولعل تاريخ الفنان فيصل الجردي الإبداعي في مجال الفنون الجميلة وتعاملَه المديد مع الفرشاة والألوان انعكس جليّاً في تلك الصور الجميلة والتي لا تخلو من الشعرية ,والشعرية كما قال الناقد الشهير جاكبسون (أساس الأدب).

تاريخية ولكنها أقرب إلى قلب حمص
وبين الناقد بدور أن عالم رواية «جوليا» فسيح مدهش يستحضر لدى المتلقي مجموعة من الروايات التاريخية مثل رواية «عزازيل» و»النبطي» ليوسف زيدان, وشيفرة دافنشي و»ملائكة وشياطين» لدان براون وفي جميع تلك الروايات سُخّرَ الحدث الوثائقي التاريخي لخدمة الحدث الروائي الفني التخييلي, لكن رواية جوليا أقرب الى قلب القارئ الحمصي ليس لسبب أنها تتعلق بشخصية تاريخية حمصية هي مصدر فخر واعتزاز فحسب, بل لأنها تتميز بالإيجاز والاقتصاد السردي الخلاق المبدع كما تتميز بالتشويق والجذب وإن كل قارئ يشرع في قراءتها لن ينصرف عنها حتى ينهيها رغم معرفته بالخطوط العريضة لمصير جوليا وحبيبها سبتيموس من الثقافة العامة, إلا أن لغة السرد الرشيقة المرهفة المشحونة بالعاطفة الجياشة لشخوص الرواية والموشاة بالصور البيانية تأسر قارئها منذ أول سطر حتى آخر كلمة ,أما وصف الطبيعة, وما أجملها من طبيعة, فهو سرد على الورق وبالكلمات لروعة نهر العاصي وسهول ووديان وجبال سورية التي هي جنة الله على الارض. كل ذلك يعطي مبرراً قويا لقراءة الرواية في جلسة واحدة لا غير مهما طال زمنها.
جاذبية الرواية التاريخية
وبين الدكتور نزيه بدور أن الرواية التاريخية عمل فني إبداعي يتّخذ من التاريخ مادة أولية للسرد، حيث تحمل الروايةُ معلوماتِ الكاتب عن المرحلة التاريخيّة, وتحمل تصورَه الشخصيّ والرؤيا الخاصة به ,وتُظهر توظيفَه لهذا التصوّر في التعبير عن الإنسان وهواجسِه وعواطفِه وعن علاقاته بمجتمعه في تلك الحقبة التاريخية المختارة، و يلجأ كاتب الرواية التاريخية أحياناً إلى التعبير عن مجتمعه المعاصر والتعبير عن تناقضاته الاجتماعية والسياسية ولكنه يتخّذ من التاريخ ومن الشخصيات التاريخية المعروفة ذريعة وشكلاً مغايراً للقص.
تجتذب الرواية التاريخيّة بصفةٍ خاصّة جمهوراً واسعاً من القراء, لما يحمل التاريخ من أحداث مثيرة ملهبة للخيال ومحركة لمشاعر القارئ، خاصّة إن كان التاريخ متقاطعاً مع اهتمامات القارئ أو إذا كان التاريخ يخدم هوّيته الثقافيّة المتبلورة أو لدى اولئك الناس الذين يبحثون في التاريخ والتراث عن أصالة الهوية، سعياً الى تشكيل هوية حضارية جديدة كردة فعل على الهزائم الأليمة والتخلف ومآسي الحروب.

تاريخ الرواية التاريخية
وشرح الناقد بدور تاريخ الرواية التاريخية مبيناً أنها ظهرت بقوة في روسيا في القرن التاسع عشر على يد «ليف تولستوي» حين كتب رواية «الحرب والسلام» التي تتحدّث عن الحرب الفرنسيّة الروسية، وتُعدّ تلك الرواية من أعظم الروايات التاريخيّة قاطبة حسب رأي معظم القراء والنقاد في عصرنا الحديث، أما الرواية التاريخيّة العربية فقد بدأت طريقها مع جرجي زيدان وجاء من بعده توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وجمال الغيطاني، ويوسف زيدان ، وفيصل الجردي.. وغيرهم. كما كان للرواية التاريخية في الادب الفرنسي مكانة كبيرة (فيكتور هوغو, وله ايضا مسرحية تاريخية كرومويل عام 1827 م) وكذلك في الادب الانكليزي (الاسكتلندي) والتر سكوت .

سيرة حياة «جوليا دومنا»
وأوضح أن رواية «جوليا» لفيصل الجردي تتحدّث عن حياة جوليا دومنا, السوريّة ابنة حمص, وتتبع سيرتها مذ التقت مصادفة بالضابط (سبتيم) قائد حامية مصياف, على ضفّة العاصي, إلى وفاتها بعد أيام من امتناعها عن الطعام في مدينة إنطاكية السورية, مروراً بزواجها من ذلك الضابط الموهوب المثقف المنتصر في كلّ معاركه, والذي ارتقى إلى أعلى مركز في الإمبراطورية الرومانيّة. ثم تنتهي الرواية نهاية مأساويّة, فبعد وفاة ابنها وزوجها الإمبراطور سبتيم (سبتيموس), وتولّي ابنها الآخر منصب الإمبراطور, تعتزل جوليا العمل السياسيّ والعسكريّ, وتغادر روما, وتستقرّ في انطاكيا حيث تضع حدّاً لحياتها بعد اغتيال ابنها الأمبراطور,و تركّز الرواية على أهمّ المحطات التي اجتازها سبتيموس في طريقه من مصياف إلى عرش روما.
ويصف الروائي فيصل الجردي المقاتلة «جوليا دومنا» الفذّة المثقفة فلسفيّاً وعلميّاً, والكاهنة التي تخدم إله الشمس, بأنها هي ذاتُها الأنثى الجميلة الجذّابة, والعاشقة الرقيقة والزوجة الوفيّة، وهي ذاتها التي تكره القوّة والتجبّر والعدوان, فتُبعد طفليها عن إله القوّة والجبروت (جوبيتير) وتقرّبهما من إله الشمس, رمز الحياة والخصب والنور، ولعلّ أبرز وجه عرضته الرواية لهذه الفاتنة هو عشقها المُركّب, فهي تحبّ الضابط «مقيم» رفيق طفولتها, لكنّ تعلّقها بالمصير الإمبراطوريّ الذي تنبّأت لها به عرّافة تدمر جعلها ترفض الزواج من هذا الضابط الحبيب, وجعلها تُعجّبُ بالقائد سبتيم الذي توسّمت فيه ما يؤهّله لمستقبل إمبراطوريّ, وتحبّه وتتزوّجه وتكون وفيّة له, دون أن يُغادر رفيق الطفولة الحبيب قلبها لحظة، وتنتهي الرواية بما يؤكّد ذلك, إذ تفارق جوليا دومنا الحياة وهي تمسك بيدها المنديل الذي أهداها إيّاه حبيبها مقيم قبل أربعين عاماً
براعة في السرد
وأشار الدكتور بدور إلى براعة المؤلف الروائي الجردي الخاصة في السرد وإتقان فنياته وتقنياته والذي يمكن أن يوصف بالسرد الكلاسيكي (تقنية سرد الراوي العليم) المترفع عن تقنيات الحداثة وما بعد الحداثة وهو ما يناسب تماما الرواية التاريخية.
إن اللمسة الأدبية والحس الشعري الرقيق والغوص في نفوس ومشاعر أبطال الرواية كان ميزة غالبة وفي هذا يتفوق كاتب «جوليا» على زميله دان براون في رواية « شيفرة دافنشي» والتي كانت رواية تاريخية مشوقة لكنها كتبت بلغة سيناريو الأفلام الهوليودية.

بطاقة تعريف
الاديب المحامي فيصل الجردي من مواليد حمص عام 1942عمل في التدريس عشرين عاماً, ثم اشتغل في المحاماة ثلاثين عاماً أيضا, وهو فنان تشكيلي أبدع في العديد من المجالات البصريّة المتعلقة باللون واللوحة , وهو عضو اتحاد الكتاب العرب ,و لديه ثماني روايات منشورة وهي : هارب من الأسر,الأميرة , خيام عجيلو, ملاذ الآلهة, جراح غزة, إلى مؤاب ,هذيان.
ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار