ربما يكون العمل الليلي مجازفة خطيرة من طرف المرأة معظم الأحيان وعليها وحدها تحمل نتائجها في مجتمع يلوك أي شيء تحت لسانه وقد يكون للأخريات وجهة نظر تنطلق من قدرتها على التحرر من قيود المجتمع ،و تجعل من إيمانها بضرورة اكتفائها المادي وتحقيقها لذاتها شعارا لعملها ، وتشعر أنها تستطيع تحمل مسؤولية نفسها ، وفي بعض الأحيان أسرة بكاملها وبذلك تكون قد ضمنت سلاحا بيدها تحمي به نفسها.
ما الذي يدفع المرأة الموظفة للعمل المسائي؟
ما الذي جعل المرأة مجبرة على ولوج سوق العمل الليلي في ظل بيئة اجتماعية تعتبر خروج المرأة للعمل هو منافسة للرجل بمبرر أن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل- العائلة- الزوج – الأطفال .
عدد كبير من الرجال المتزوجين العاطلين عن العمل ، أو الذين لا تكفيهم رواتبهم لنصف الشهر ، ويد عاملة نسائية ترضى بأقل الأجور وفي جميع القطاعات بدءً من الطابع التقليدي كالنسيج والحياكة والتطريز والمعامل والمشافي … أجور لنصف شهر..
بالرغم من المراسيم التي صدرت بزيادة أجر العمال والموظفين في الدولة إلا أن تلك الأجور ظلت لا تكفي لأن يعيش (المواطن السوري) حياة كريمة ومريحة. وللاطلاع أكثر على عمل المرأة ليلا كان لنا جملة من اللقاءات وكان الموضوع التالي :
عاملات.. ومتعففات
أم لثلاثة أطفال حصلت على الشهادة الثانوية وتوظفت في إحدى الشركات، بقي الحال مستوراً على حد قولها إلى أن استغنت شركة القطاع الخاص التي يعمل بها زوجها عن خدماته بعد أنا أصبح مريضاً بسبب الأمراض المهنية العديدة التي أصابته، فاضطرت للعمل في إحدى ورشات الخياطة من الثامنة مساءً وحتى الواحدة ليلاً… « متعبة » تختصر حديثها بهذه الكلمة، والأخطر من ذلك كله التساؤل الذي طرحته ، فقالت : هل من أحد يحمينا في حال تعرضنا للمشاكل أثناء عملنا الليلي ؟
لا أعتقد ذلك ، والمجتمع سيضع اللوم على المرأة لأنها تعمل حتى ساعة متأخرة من الليل ، وطبعا ذلك ينطبق على القطاع الخاص حصريا ، بينما القطاع العام فيه قوانين تحمي الموظفين ، ومع ذلك فأنا أفضل العمل 24 ساعة على أن أمد يدي لأحد…
كفاح على جميع الجبهات
لا يرغب زوجي بالاعتراف أن مشاركتي له في الدخل بمثابة إنقاذ ولو جزئي من براثن العوز هذا ما أكدت عليه سميرة وهي ممرضة في أحدى المشافي فقالت : من منا لا ترغب أن تنام ليلاً في سريرها آمنة ومطمئنة، ومن منا لا ترغب أن تمارس طقوس الأمومة والعائلة والحياة الزوجية بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة. إن ظروف عملي تضطرني للمناوبة ثلاثة أيام في الأسبوع وأي إجازة تؤدي إلى حسم من راتبي، الشك والغيرة سمتان ملازمتان لزوجي، والتعب والإرهاق سمتان ملازمتان لي، ولكن ما الحل ؟ إن راتبينا لا يكفيان ، فكيف سيكون الحال براتب واحد ؟
العمل ليلاً أفضل من التسول نهاراً والقهر على جميع الأصعدة هذا ما تؤكد عليه منى وهي مطلقة ولها ثلاثة أطفال فقالت : أعمل في عيادة طبيب نسائي بدوام صباحي وخادمة بدوام مسائي ليس لدي حرفة لأعيش منها وليس لدي أقارب يستطيعون تحمل ولو جزء صغير من مصروفنا فكانت خدمة المنازل هي الطريقة الوحيدة التي تحميني ولو قليلاً من الحاجة و لكنها لم تحمني من الإهانات التي أتعرض لها التي تزداد بشاعة يوما بعد يوم…..وما إن أخرج وأتنفس الصعداء حتى أتعرض لمضايقات الرجال في الشارع وأنا أقف على قارعة الطريق ليلاً أنتظر سرفيساً ليقلني..إنها الحاجة وما غيرها يجعلنا نتحمل كل هذا القهر؟
الرجل خارج السرب
قلة من الرجال يفكرون في مساعدة زوجاتهم في واجباتهن الزوجية والأسرية حتى لو كانت هي فعلياً تقوم بمساعدة زوجها بعمل ليلي إضافي، بعض العادات والتقاليد تلزم المرأة بعدم العمل ليلاً ولكن تلك العادات لا تستطيع أن تلزم الرجل بالمشاركة في العمل المنزلي ولا تستطيع مراقبة العلاقة الزوجية وآثار العمل الليلي عليها
ماذا يقول الرجل عن عمل المرأة الليلي؟!
مع ما وصلت إليه المرأة السورية «جزئياً» من مساواة في الأجر وفرص العمل وساعات الدوام هل يتقبل المجتمع العمل الليلي للمرأة؟؟
أحمد خريج جامعي فاجأنا بإجابته عندما قال: من تعمل ليلاً ترضى باستخدامها في أمور وخدمات خاصة، وبنظري لقد تجاوزن تقاليد المجتمع الصحيح ، وهن يستخدمن شعار التحرر، والعمل ،والمساواة ليسقطن قصداً وعن غير قصد في براثن تجاوزات لا تحمد عقباها .. والفقر ليس بحجة.
سامر لم يكن رأيه أفضل بكثير من صديقه فيقول : إنه أسلوب جديد للتحدي، لم يكن العمل الليلي يوماً عملا نسائيا، وقد تستطيع المشافي أو شركات الطيران وغيرها من القطاعات أن تجعل المناوبة الليلية للرجال فقط، وأي معمل إنتاجي أو ورشة تلك التي تضطر عاملاتها للعمل حتى منتصف الليل، يجب على المرأة حتى ولو كانت الحاجة المادية هي السبب أن تكون أكثر وعياً وإدراكاً يجب أن تخمن وتتوقع كيف ستكون نظرة صاحب العمل خصوصاً والمجتمع عموماً لامرأة تعود إلى منزلها بعد منتصف الليل..
وعند سؤالنا لأحد أصحاب الورشات عن سبب تشغيل العاملات عنده في مناوبة مسائية مع علمه أن هناك عادات تحظر ذلك قال : لم لا ؟
النساء هن يأتين إلي ويحتجن إلى العمل عندي ،فهل أرفض شخصاً يمد يد الحاجة سواء كان رجل أو امرأة ؟
أما علاء رئيس الوردية المسائية في أحد المعامل قال : تعمل في الورشة مجموعة من النساء ومن كافة الأعمار وبعضهن يعرضن بعض التنازلات مقابل أن أوليهن رعاية خاصة أو أصرفهن باكراً إلى المنزل .
فاعلة في العمل…عاطلة في الحياة العائلية
العصر الراهن هو عصر العمل وهو أمر لا شك أن المرأة تتقنه وبشكل كبير وما الأرقام التي تظهرها الدراسات سوى خير دليل على ذلك 99% من النساء عملن في فترة ما من حياتهن وكل أربع من اصل خمس نساء لديهن أولاد ويعلمن أيضاً، مع العلم أن كل امرأة من اثنتين تقوم بأكثر من عمل واحد، كما أن النسبة ذاتها تؤمن نصف المدخول المالي العائلي أو حتى أكثر…
وفي الأعوام الأخيرة بات عدد النساء العاملات في أكثر من وظيفة 3.7 مليون امرأة، وبات بالتالي عدد أكبر من الأولاد يعتني بنفسه وحده في غياب رعاية الوالدين معاً.
العمل الليلي مخاطر صحية بحتة
أفادت دراسة علمية حديثة بأن النساء اللواتي يعملن في الفترات الليلية والمناوبات المسائية هذه أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي والإجهاد التلقائي وذلك بسبب تعرض المرأة العاملة الليلية للضوء طيلة الوقت مما يقلل قدرة الجسم على إنتاج هرمون ميلاتونين الذي يتم إفرازه بالعتمة عندما يكون الشخص نائماً علماً أن مهمة هذا الهرمون تكمن في تقوية جهاز المناعة وحماية خلايا الجسم والأنسجة من السرطان ومن خطر الأشعة المتضررة إضافة إلى الضرر الخاص الذي يلحق بالمرأة الحامل نتيجة ساعات العمل الطويلة
القانون.. ماذا يقول ؟
أورد القانون الاستثناء في عمل المرأة الليلي كي لا يبدو القانون أنه ينطوي على النظرة التقليدية للمرأة باعتبارها أضعف من الرجل، فقد نصت الاتفاقية العربية رقم 1976 بشأن المرأة العاملة في مادتها رقم 7 على أنه : يجوز تشغيل النساء ليلاً وتحديد الجهات المختصة في كل دولة المقصود بالليل طبقاً لما يتماشى مع جو كل بلد وموقعه وتقاليده، وتستثني من ذلك الأعمال التي يحددها التشريع في كل دولة
قد يخلق العمل الليلي للمرأة الكثير من الانعكاسات خاصة إذا فقد الدفء العائلي وتغير إيقاع حياتها كأم وربة منزل بسببه، وإذا كانت الحاجة تجبر المرأة على العمل ليلاً لن يفقد الرجل امتيازه كرجل، هي قادرة على التعلم والتعليم، وتقلد المناصب القيادية وحمل الحقائب الوزارية لأنها ليست عنصرا في المجتمع بل هي شريك حقيقي وأصيل فيه…