فكرة ..بين النزعة الاستعمارية والتقليد الأعمى للسياسة الأمريكية

هل يمكن القول أن بريطانيا وقعت في المصيدة التي نصبتها لها الإدارة الأمريكية لمواجهة إيران حتى تتفرج عليها ؟ ،وكيف ستخرج من الأزمة التي وضعتها فيها بعد أن كادت الإدارة الأمريكية لن تيأس من إركاع إيران على الرغم من الحصار الاقتصادي ؟ والعقوبات التي فرضتها وإعلان دونالد ترامب عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي حتى يفرض شروطاً جديدة تلائم نزعته الاستعمارية والعدوانية من خلال جر إيران لمفاوضات جديدة تخضع من خلالها لاملاءات سيد البيت الأبيض وترضي غروره الذي لم يجد أية استجابة حتى كاد أن يستجدي ويستميت للجلوس مع القادة الإيرانيين متنازلاً عن شروطه التي وضعها في البداية لتكون المفاوضات دون شروط ،مما أدخل سيد البيت الأبيض في إحراج لم يعهده هو و إدارته التي اعتادت على فرض املاءاتها وشروطها أمام العالم كله .
السيناريو الجديد وقعت فيه بريطانيا وتورطت باحتجاز الكوماندوس البريطاني ناقلة نفط إيرانية تحت جنح الظلام بحجة ذهابها إلى سورية وتجاوز العقوبات الأوربية مع الإشارة إلى أن إدارة مضيق جبل طارق عدّلت قوانينها الملاحية بما يتناسب مع عقوبات الاتحاد الأوربي قبل ساعات فقط من مرور الناقلة ،وهذا يعني وجود نيّة مبيِّتة من بريطانيا بإشارة أمريكية للتحرش بإيران على ضوء التوتر بين واشنطن وإيران لزيادة الضغط عليها وإجبارها على الخضوع للشروط الأمريكية للجلوس على طاولة المفاوضات ،ولكن القيادة الإيرانية عالجت تلك الأزمة بكثير من الهدوء فقد أكد قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام السيد علي الخامنئي أن طهران سترد على احتجاز بريطانيا لناقلة النفط عندما تتاح الفرصة وفي المكان المناسب ،وعلى الرغم من التوترات التي تصاعدت في الخليج والاستفزازات التي قامت بها أمريكا وحلفاؤها كنوع من زيادة الضغط على إيران حيث زعمت بريطانيا وأمريكا باقتراب زوارق إيرانية من ناقلة نفط بريطانية الأمر الذي نفته إيران جملة وتفصيلاً ولم تجد الوقت ولا الفرصة المناسبة لذلك وقد أصدرت المنطقة الخامسة للقوات البحرية في الحرس الثوري آنذاك بياناً أوضحت فيه وبكل صراحة أنه في حال وجود أوامر بإيقاف ناقلات نفط في مياه الخليج فان القوات البحرية في الحرس الثوري قادرة في نطاقها الجغرافي على تنفيذ تلك المهمة دون تردد وبحزم وبسرعة.
وعلى الرغم من الحرب الإعلامية التي مارستها الإدارة الأمريكية لإيهام العالم بسيطرتها على المياه في مضيق هرمز حيث تحدثت تقارير عن عزم الولايات المتحدة بإجراءات عسكرية لحماية أمن الملاحة البحرية في الخليج إلا أنها لم تمنع طهران من أخذ القرار حيث أعلن الحرس الثوري الإيراني عن مصادرة ناقلة بريطانية أثناء مرورها في مضيق هرمز بعد أن صدرت التعليمات ،واعتبر أن سبب احتجاز الناقلة هو عدم إتباعها قواعد الملاحة الدولية وهذا ما أثار حفيظة بريطانيا التي هددت وتوعدت في الليل وفي صباح اليوم التالي تراجعت وتغيرت لهجتها بعد أن وجدت نفسها وحيدة في الميدان وتخلي الإدارة الأمريكية عنها حيث كانت واشنطن تمارس اللعب على أوتار جر لندن إلى المستنقع وتوريطها بمأزق مواجهة إيران نيابة عنها ورفعت منسوب تهديداتها رغم إقرارها بعجز أسطولها عن حماية مصالحها واستنجدت بشركائها الأوربيين لتشكيل ما يسمى ببعثة أوربية لحماية أمن الخليج تماشياً مع الأوامر الأمريكية السابقة فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت عن ضرورة اتخاذ إجراءات لضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز وأضاف أنه ليس بإمكان القوات البحرية الملكية مرافقة كل سفينة في مضيق هرمز وأقر وزير الحرب البريطاني توبياس الوود أن البحرية البريطانية صغيرة جداً بحيث لا تضمن مصالح الدولة في جميع أنحاء العالم والسؤال هنا إذا كانت بريطانيا عاجزة عن حماية ناقلاتها فكيف تتطاول وتعتدي وتحتجز ناقلات دول أخرى ؟،هل هي النزعة الاستعمارية ؟ أم هو السير الأعمى خلف الإدارة الأمريكية ؟ التي أرادت تحقيق مصالحها بجرها إلى هذا التصرف الأرعن والذي رفع عنها ورقة التوت التي كانت تستر عورتها ، والأنكى من ذلك أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اعتبر أن حماية السفن البريطانية مسؤولية المملكة ذاتها وهذا يعني تخلي الإدارة الأمريكية عن حليفتها في الأعمال الإرهابية والاستعمارية لسنوات طويلة وتركها تواجه أزمتها وورطتها مع إيران وحيدة ، والأهم من كل ذلك تصريح دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الذي قال :لن نؤدي دور الشرطي في مضيق هرمز لحماية دول غنية كالسعودية والإمارات في إشارة إلى دفع المزيد من الأموال للإدارة الأمريكية التي تنهب أموال دول الخليج تحت حجة حماية أمنها واستقرارها .
وبعد : لقد سقطت بريطانيا في المستنقع وحيدة وهي تجاهد للخروج منه بأسلوب يحفظ ماء وجهها ،ووحدها كانت فرنسا مدركة للعبة الخاسر والرابح فمضت وراء مصالحها دون أن تتورط في أعمال تسقط فيها هيبتها الدولية كما فعلت بريطانيا التي وقعت بين عدة خيارات لا يمكن التنبؤ بها كونها تعيش مرحلة انتقال سياسية ستبدو ملامحها الواضحة في المستقبل القريب.

عبد الحكيم مرزوق

المزيد...
آخر الأخبار