قبل سنوات عديدة ،قام عدد من المثقفين السوريين ،ومنهم أعضاء في اتحاد الكتاب العرب ،بحملة تواقيع أرسلت إلى الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك عن طريق السفير الفرنسي بدمشق ،تطالبه بإعادة جمجمة ورفات الشهيد البطل سليمان الحلبي لتدفن في مدينته حلب ..ولكن لم يرد أحد على الرسالة …!!
الشهيد سليمان الحلبي ،قاتل الجنرال كليبر ،الذي تولى قيادة الحملة الفرنسية على مصر ،بعد عودة نابليون إلى فرنسا ،كان الأكثر إجراماً من بين قادة الحملة (1798-1801).فقد أخمد انتفاضة القاهرة بالنار والحديد وارتكب الفظائع مع جيشه المحتل في مصر وفلسطين قبل أن يتقهقر على أسوار عكا .وهذا ما جعل الشاب العربي السوري سليمان الحلبي يقرر الانتقام من «كليبر » فسافر إلى القاهرة ،عبر ،فلسطين ،واستطاع الوصول إلى عضوين في مجلس بلدية القاهرة قدما له الدعم والمساندة والمأوى وزوداه بمعلومات عن «كليبر» وبرنامجه اليومي .لم يجلب سليمان معه من حلب سوى خنجره الحلبي الصنع ، فتسلل إلى حديقة القصر الذي يقيم فيه كليبر في القاهرة وكان هذا برفقة «بروتان «كبير المهندسين في جيش الحملة الفرنسية ،يتنزهان .فاجأ الحلبي كليبر وبروتان ،وانهال بخنجره فطعن الأول عدة طعنات أردته على الفور ،ثم توجه للثاني بعدد من الطعنات لم تكن مميتة ..!!وقد حصل ذلك في الرابع عشر من حزيران عام ألف وثمانمائة للميلاد .
هنا ندرك أن الحلبي كان يعرف أن فرصة نجاته ضئيلة جداً بل ومعدومة ،إذ استنفر الحرس وألقوا القبض عليه وحققوا معه فأعدموا أولاً العضوين في المجلس البلدي اللذين قدما له المأوى وشجعاه على القيام بعمله الوطني البطولي بقطع رأسيهما .أما إعدام الحلبي فكان بحرق يده أولاً ثم «خوزقته »كما يروي المؤرخ الفرنسي الذي رافق الحملة الفرنسية في كتابه «مذكرات جندي في الحملة الفرنسية على مصر والشام «.ولعلنا نذكر أنّ هذا الكتاب أهم وثيقة للحملة الفرنسية لأنّه يستدرك النقص في المعلومات والتفاصيل عن الحملة التي ،مع الأسف ،لا نجدها في كتب المؤرخين العرب .فالكتاب يركز على ثلاثة أمور :أولها أنّ العامل الأهم لصمود عكا بقيادة واليها أحمد باشا الجزار هو الدعم بالرجال والسلاح الذي جاء من بلاد الشام ولا سيما من سورية .والثاني :قدوم المساعدات الغذائية لأهل عكا والجيش الشعبي «كما يصفه المؤرخ «جوزيف لا بورت »من سورية .والأمر الثالث الذي يركّز عليه هذا المؤرخ هو فشل نابليون ومن بعده كليبر ثم مينو في خداع المصريين وأهل بلاد الشام أنّ الحملة هدفها إنساني وحضاري ولتخليصهم من المستعمر التركي والمماليك ..!!.ويرى المؤرخ أن تسمية الحملة «الحملة الفرنسية على مصر والشام» لأن الهدف منها كان احتلال بلاد الشام بعد مصر .
أخذ الفرنسيون رفات الحلبي وجمجمته إلى فرنسا.والجمجمة موجودة حتى الآن في «متحف الإنسان «في باريس وعليها لوحة بالفرنسية تقول «جمجمة المجرم سليمان الحلبي » أما رفاته فموجود في المتحف الوطني للتاريخ في باريس أيضاً وعليه عبارة «بقايا رفات قاتل الجنرال كليبر المجرم سليمان الحلبي »…!!.وكلا الجمجمة والرفات موضوعتان في صندوق زجاجي …!!
هل يأتي وقت ليس ببعيد نستعيد فيه رفاة هذا البطل و جمجمته لتدفن في مسقط رأسه حلب …؟!!
الجدير ذكره أن الجنرال «مينو » الذي قاد الحملة بعد كليبر وكان نائبه ،تزوج من «زبيدة » وهي امرأة مصرية رائعة الجمال ..وكان شرطها أن يسلم فأسلم وسمّى ولده منها «جاك مراد الحلبي » وجاك هو اسم فرنسي شائع أما مراد فهو القائد المصري الذي انتصر على الفرنسيين في معركة الأهرامات ..والحلبي إشارة إلى البطل سليمان الحلبي .وهذا اعتراف فرنسي ببسالة وبطولة سليمان الحلبي .
سليمان الحلبي شخصية مشهورة …وبطل عربي ثأر لأشقائه المصريين من كليبر وبعده بقرن ونصف القرن ثأر البطل السوري جول جمال لأشقائه المصريين من الفرنسيين الذين شاركوا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وفجر نفسه بالبارجة الفرنسية «جان بارت »……فهل يقرأ حاكم مصر الحالي السيسي التاريخ ..ويفهم ماذا تعني مصر لسورية وسورية لمصر …؟!!.
عيسى إسماعيل