المجتمعات البشرية تنمو وتتطور وتتقدم من خلال المبادرات ،والأفكار الجديدة الخلاقة التي تقدم خدمة لهذه المجتمعات وذلك لأن الروتين فيها يكون مملاً ورتيباً لا يسهم بالتطوير ويعكس حالة من المراوحة في المكان، التي لا تغني ولاتسمن .. وعلى هذا فإن المبادرات والأفكار الجديدة يفترض أن تكون جوهر الحياة في كل المؤسسات حتى تبقى على درجة متقاربة مع إيقاع الحياة التي تتطور يوماً بعد يوم ، وما كان سائداً بالأمس ربما لا يتوافق من حيث التقنيات مع الآليات المستخدمة مع متطلبات وإيقاع ونبض الحياة في الوقت الحالي.
في الأسبوع الماضي دعيت للمشاركة بمبادرة قامت بها لجنة العمل التطوعي في جمعية البر والخدمات الاجتماعية بعنوان “مفاضلتي أسهل” هذه المبادرة اعتادت على تنفيذها منذ ست سنوات بأفكار قدمها أحد المتطوعين وقد لاقت قبولاً وتم تنفيذها وفي العام الثاني من المبادرة وضعت لجنة العمل التطوعي بالجمعية محددات لهذه المبادرة وذلك حتى لا تبقى تدور بحركة روتينية وتحقق نجاحاً لافتاً عاماً بعد عام .
هذه المبادرة تعتمد على استقدام خريجي أقسام الكليات والمعاهد للتحدث أمام الناجحين الجدد في الشهادة الثانوية لشرح الاختصاص الذي يتم تدريسه في أقسام تلك الكليات كل على حده وسنوات الدراسة والمواد والمقررات واحتياجات سوق العمل لهذه الاختصاصات إضافة إلى تقديم بعض سلبيات وايجابيات تلك الاختصاصات من وجهة نظر حيادية بحتة.
هذا العام استمرت مبادرة «مفاضلتي أسهل» لمدة تسعة أيام في المركز الثقافي العربي بحمص وقد اشتملت على معظم الاختصاصات العلمية والنظرية التي تدرس في جامعة البعث وبعض الجامعات السورية في محاولة لتقديم إضاءة تبدو في الظاهر متواضعة عن تلك الاختصاصات لكن هذه المبادرة في الواقع تحتاج جهدا كبيرا يقوم بالتحضير والتنسيق له طلاب وطالبات جامعيون من مختلف الاختصاصات لإيصال معلومة قد تهم الطلاب الجدد الذين ينوون دخول الجامعة لكن ليس لديهم أية معلومات عن أي من تلك الاختصاصات الموجودة سواء في جامعة البعث أو في الجامعات المنتشرة في المحافظات السورية الأخرى ..
أذكر حين حصلت على الثانوية العامة في الثمانينيات لم تكن لدينا أية معلومات عن الاختصاصات الجامعية سوى عن كلية الطب والهندسات وبعض الفروع النظرية حيث كانت وما زالت أمل معظم الطلاب بدراسة احد هذين الاختصاصين إلا قلة قليلة تعرف إمكانياتها وهدفها لذلك كانت خياراتها معروفة بالاختصاصات الأقل لكنها تلبي رغباتهم واتجاهاتهم وميولهم المختلفة ومنها الأدبية ؟ ولذلك فالخيارات التي كانت متاحة في تلك الأثناء غير مكتملة أمام قسم كبير من الطلاب بسبب عدم معرفتهم بمعظم الاختصاصات الموجودة في الجامعة ولذلك فإن الخيار الأمثل كان في تلك الأثناء هو ما تتيحه العلامات التي تم تحصيلها بعد النجاح في الثانوية بالدرجة الأولى .
أعتقد أن المعرفة لها ثمنها وهذا الثمن ربما يدفع بشكل أو بآخر من خلال خيارات خاطئة بسبب عدم المعرفة أولاً وعدم تحديد الهدف ثانياً …
اليوم قد تغيرت الحالة أصبحنا في زمن المعلوماتية زمن الشبكات العنكبوتية حيث لم تعد المعرفة صعبة بل متاحة أمام الجميع ويمكن لأي طالب من خلال البحث أن يطلع على الكثير من المعلومات وخاصة فيما يتعلق بالاختصاصات الموجودة في الكليات والمعاهد المنتشرة في كافة المحافظات السورية ولعل التعليم العالي في هذه الأيام لم يعد مقتصراً على الجامعات الرسمية بل أصبح هناك جامعات ومعاهد خاصة تقوم بتخريج الأكاديميين من مختلف الاختصاصات ، إضافة إلى أن التعليم الرسمي أضيفت له بعض الأساليب الجديدة في التدريس فلم تعد الطريقة المتبعة سابقاً هي السائدة بل أضيفت اختصاصات جديدة للجامعات ومنها التعليم الموازي والتعليم الافتراضي والتعليم المفتوح والتعليم عن بعد ، وكل تلك الاختصاصات تخرج سنوياً آلافاً مؤلفة من الخريجين الجامعيين الذين يحتاجهم سوق العمل وبالتالي ينعكس ذلك على التطور والنمو في مختلف مجالات الحياة ..
الخريجون السوريون في معظم أنحاء العالم لهم سمعتهم الطيبة وقد سمعت عبارة مهمة أنقلها من مؤتمر الأطباء الذي عقد مؤخراً في جامعة الوادي الدولية أن أفضل الأطباء و المهندسين في معظم دول العالم هم سوريون وأنا أضيف: أن السوريين لهم بصمتهم الواضحة أينما حلوا في أي دولة عربية أو أجنبية وبكافة الاختصاصات فالجامعات السورية سمعتها عطرة في كل أنحاء العالم ..
أخيراً الشكر للفريق التطوعي على انجازه مبادرة «مفاضلتي أسهل» ولكل من يقدم أفكاراً جديدة وبناءة يمكن أن تقدم من خلالها خدمة لأبناء وطننا الذي نفتخر ونعتز بالانتماء إليه .
عبد الحكيم مرزوق