اختارت (رولا رمضان) تجنيس كتابها (أسرق الفرح) تحت باب (نصوص شعرية) فلم تثبت مفردة نصوص بمفردها، كما لم تبق مفردة شعر لوحدها. لقد تعمدت التأكيد على المزج بين: النثر/ النصوص، والشعر/ الشعرية. لعلها أرادت بذلك الخروج من جدلية مصطلح قصيدة النثر الذي ما زال محور جدل بين الشعراء والنقاد. وربما رغبت بالقول إنها تكتب ما يحلو لها بعيداً عن أي تصنيفات منهجية هي بغنى عنها!؟.
وإذا اخترنا الوقوف أمام الغلاف، وحاولنا تحليل عنوان الكتاب (أسرق الفرح) فسنجد الأديبة قد انتقت هذا العنوان بدقة أيضاً، إنها تريد القول إن الكتابة ليست غير اختلاس لحظات المسرة القصيرة من ساعات الأيام الطويلة التي تتابع سيرها دون عودة، ولعل الكتابة هي ما يتبقى لنا لمواجهة قوانين الطبيعة التي لا تأبه لأحلامنا التي لم تتحقق بعد، لهذا يصبح اقتراف فعل السرقة أمراً مبرراً لا حاجة للقيام به في الخفاء، فكل أصحاب الأحلام يريدون الحصول على الأفراح بشتى السبل المتاحة، وإن كان هناك ثمن باهظ قد يُدفع نتيجة اختيار الكتابة لحل جميع المشكلات التي نكتشف بعد فوات الأوان أنها لم تكن السبيل الذي يناسبنا أحياناً، وربما غالباً!.
***
الكتابة عند (رولا رمضان) هي بوح ذاتي صرف، وتعبير عما يدور في النفس، ومطلب ملح في الخروج من أزمات لا يستطيع الإنسان تجاوزها إذا كانت أحلامه أكبر مما يحتمل، وحساسيته مفرطة لدرجة لا يمكن تجاهلها، لهذا تتحول الرغبة في الفرح بقدر الإدراك كم هو الشقاء غير محتمل، وأقرب مما ينبغي:
(أردت أن اكتب قصيدة جديدة
أردت للفرح
أن يمسك يد الحزن..
يقوده للسعادة
بدلاً من أن يسير به..
إلى جنون العقل) ص75.
وعلى الرغم من كل ما قيل، يبدو أن الحب هو الحل المؤقت.. كي تصبح الحياة محتملة، وأكثر رصانة. فالحب قد يكون السبب الوحيد لاقتراف فعل الكتابة بصفته المثير للخيال الجامح، والمحرض على فض الأسرار دون خجل:
(أكتب أول قصيدة..
تتسلل كاللص إلى قلمي..
تبدأ الرواية عني) ص76.
إنه الحب الذي تبحث المبدعة عنه بشغف، أو أنه الحب الذي يأتي إليها عفواً وهي تكتب، وفي كلا الحالتين لا كتابة دون حب، إنه قوة التجدد في تراب الأرض التي كاد ظلام الليل يدفنها:
(وعند اشراقة
شمس نهار جديد
وجد كل منا
ظل الآخر) ص20.
لهذا يظل الحب هو ملاذ الكتابة، وملجأ الكلام، ومحور الأحاسيس، وبؤرة المشاعر، ومدار الأفكار. ولكن هذا الحب في الكثير من الأحيان حاجة داخلية أكثر من كونه موجوداً في الخارج، فهل الحب هو انعكاس لحقيقة ما، أو أملاً يراود النفس لا غير:
(مغمضة العينين أصغيت
ولشدة فرحي
خشيت أن افتحهما
وينتهي حلمي) ص109.
***
تنحاز (رولا رمضان) إلى الجملة البسيطة، والصور المألوفة، مبتعدة عن التركيب المعقد، والأجواء الغرائبية، إن ما تكتبه يفسر ذاته، ولا يحتاج إلى تأويل، فهو ينبع من عفوية طازجة، وتلقائية متواضعة، فهي لا تكتب ضمن مرجعيات نظرية، ولا تتوجه إلى النخبة، إنها تنطلق من تجربة ذاتية، وتشارك من حولها من البسطاء عالمها الصغير.
لهذا نستطيع القول إن ما نقرأه في هذا الكتاب هو بوح وجداني مثقل بصدق التجربة ومعاناتها، وليس مرهونا بعوامل تتجاوز وتتخطى هذه الذات التي تبحث عن تقاسم الابتسامات بطمأنينة وهدوء، ولا تريد مشروعاً أدبياً عظيماً يستهلك الروح ويستنفدها:
(حوار بسيط بيننا
جعل عواطفي تعدو) ص106.
لم تتضمن صفحات الكتاب إلا حواراً بطريقة ما، وان كانت المتحدثة دائما هي الكاتبة، والمستمع المفترض هو القارئ/ القارئة. بل ربما حوار مدون مع النفس.
إنه حوار عفوي بكل ما فيه من تمرد خجول، وجرأة لا تخدش الحياء، وشكوى من الخذلان، ورجاء للتخلص من الانكسار، وعتاب لا مفر منه.
وهل يكفي هذا كله لإطلاق العواطف جميعها من فوق سور الصمت علها تركض كخيول نجحت في الفرار من حلبة الترويض، واختفت في مجاهل أحراش أنوثة تنظر بصمت قطرات الغيث دون ضجيج.
ربما الكتابة ليست إلا محاولة لكسر قيود الخوف، والبحث عن القلب الذي قد لا يمكن العثور عليه مهما طالت الرحلة وتخلصت من غلالات الذعر:
(تنطلق انطلاقة مهرة برية
وعواطفها طافحة بالشوق
وأملها دوماً
أن تجد قلبها
فتاة لا تخاف أبداً) ص111.
سامر أنور الشمالي
المزيد...