أذكر أن مبنى بلدية القصير القديم –أي في النصف الأول من الستينات –كان يضم مكتبة ،وكان ينفتح على حديقة ،وكانت سيارة كتب عليها :
وزارة الثقافة والإرشاد القومي تحمل إليها كتباً في أول كل شهر ،وكان أساتذتنا يحثوننا على ارتياد تلك المكتبة ،فقد أصبحنا في المرحلة الإعدادية ومن واجبنا وحقنا في الوقت نفسه أن نقرأ كتباً غير كتبنا المدرسية لأن الطالب الذي لا يقرأ غير كتبه المدرسية كالطفل الذي لا يجيد الكلام إلا مع المربية ،هكذا قال لنا الأستاذ نواف كاسوحة –طيب الله ثراه –
وفي تلك المكتبة الغنية المتواضعة تعرفت أول مرة إلى الأديب إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه :صندوق الدنيا .الذي أثار إعجاب طفولتي المتأخرة وعرفت من خلاله أن كاتبه إبراهيم عبد القادر المازني قد عاش في مصر في الثلث الأول من القرن العشرين .وبعد قراءتي هذا الكتاب أخذت عيناي تتبعان عناوين الكتب ومؤلفيها التي تزود بها مكتبة البلدية كل شهر ،فتابعت قراءة إبراهيم عبد القادر المازني في كتبه :خيوط العنكبوت ،عود على بدء،فيض الريح ،أحاديث المازني ،وحصاد الهشيم
.وفي دار المعلمين في حمص كان إبراهيم عبد القادر المازني حاضراً في مناهجها يومذاك من خلال روايتيه :إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثاني وقد حرضنا أستاذ اللغة العربية –محمود فاخوري –طيب الله ذكره على قراءتهما ،وأذكر أنه نوّه بأن المازني شاعرٌ أيضاً وله ديوانان :ديوان المازني الأول ،وديوان المازني الثاني ،وأّنه ترجم إلى العربية الكثير من فطاحل الشعراء الإنكليز .وإن يكن المازني –بعد ذلك قد أنكر موهبته الشعرية ليكون مطلق اليد في نقد كبار الشعراء كما يقول هو نفسه .والمازني الناقد تعرّفت إليه في جامعة دمشق على يد أستاذنا الدكتور حسام الخطيب –أطال الله عمره –من خلال حديثه عن مدرسة الديوان في النقد الأدبي ،بالاشتراك مع عباس محمود العقاد ،وقد قمنا بشراء كتاب –الديوان في الأدب والنقد –وقراءته ،وقد ألّفه :ابراهيم عبد القادر المازني وعباس محمود العقاد ،وكانا من كبار مثقفي مصر في النصف الأول من القرن العشرين.
وأرشدنا يومها الأستاذ حسام الخطيب أن نقرأ كتاب –الجديد في الأدب العربي –الذي ألفّه بالاشتراك مع طه حسين وآخرين .
وكان للمازني باع طويل في أدب الرحلات ومن كتبه في هذا الميدان رحلة الحجاز ،رحلة الشام الذي اقتطفت منها المختارات.
د.غسان لافي طعمة