بتاريخ 4/10/2018 جلستُ أتنقّل من محطّة تلفزيونيّة إلى أخرى، بهدف أن أجد مايشدّني إلى أحد البرامج الكثيفة التي تبثّها الأقنية، وما أكثرها، وأقلّ الغنى فيها، كان ذلك في تمام الساعة الرابعة والرّبع ، قرابة وقت العصر، وكان أنْ مررتُ على إحدى القنوات السورية الفضائيّة،فوجدت برنامجاً للأطفال، ومع أيّ برنامج لمثل هذه السنّ يقتحم ذاكرتي برنامج «افتح ياسمسم» الذي كان يشاهده الكبار والصّغار لجاذبيّته، ولمهنيّته، ومع هذه البرامج تعود بي الذاكرة إلى تلك القصص التي كنّا نستأجرها من مكتبة المدرسة الابتدائيّة،توقّفت عند هذا البرنامج لأرى كيف يتعاملون مع أطفالنا، شباب المستقبل،عدتنا التي سنستند إليها في المواجهات المتعدّدة، وماذا يزرعون في عقولهم من المعارف والقيم، فوجدتُ شابا يأخذ دور المعلّم، وصبيّة تأخذ دور المعلّمة، والشابان يتبادلان الأحاديث، وفي يد كلّ منهما ورقة ينظر إليها بين الحين والآخر، والصّغار صفّان متقابلان، يجلسون مشدوهين بالنّظر، دون أيّ إيحاء بالحيويّة الطفليّة، أو بالمشاركة، بل يتطلّعون بما يُشبه الاستغراب والدّهشة، فذكّرني سكونهم بتلك الجلسات القديمة في المدارس حيث يكون المعلّم قد قال للجميع:» تْكَتّفوا لشوف»!!، صبرت قليلا لأفهم شيئا من الحوار، فإذا هو كما وصلني كلام عن الموسيقى، وممّا قاله الشاب المذيع لحظتها، وهو يتحدّث عمّن بدأ بالعزف على البيانو، وهو صغير، وعن نشأته، وكان ممّا قاله وقد ألّف فيما بعد السمفونيّة التاسعة، « كلّكم بْتعرْفوها»، لم أستطع المتابعة، فتوقّفت وقد أخذني غضب جوّانيّ،
تُرى كم عدد البيوت التي يوجد فيها بيانو؟!!
كم عدد الذين يعرفون ماهي السمفونيّة، ؟!!
ثمّ كيف «كلّكم بْتعرْفوها» ؟!!
ألهذه الدرجة وصل الاستهتار ببعض برامجنا التي ( نزعم) أنّها تقدّم فائدة معلوماتيّة، وتربويّة، وأخلاقيّة لأبنائنا الذين يستمعون إلى هذا البرنامج،؟!!
هل لدينا أيّة إحصائيّة عن الذين يتابعون البرامج الطفليّة؟!!، وما أثرها؟!!
أيّها المعنيّون بذلك، إنّ التعامل مع الطفل من أهمّ مايجب الانتباه إليه، لأنّ مانغرسه في ذهنه سوف نحصده في المستقبل، وأعتقد أنّ بعض ماحصدناه في الحرب المجنونة الصهيو أعرابيّة كان في بعض حصيلته ناتج ماغُرس في تلك العقول الغضّة .
بالمناسبة، ماالذي جنيناه من حذف اسم الشاعر العربي الكبير المرحوم سليمان العيسى الذي تربّت أجيال على أشعاره؟
ماأدري ماإذا كان ذلك البرنامج مجرّد تنفيعة، من التنفيعات المنتشرة في عدد من الأماكن.
إنّ الكتابة للأطفال، والبرامج الطفليّة، كتابة من نوع خاص، .. هذه الكتابة تحتاج لطاقات خلاّقة، ولمعرفة بأصول التربية، وعلم نفس الطفل، ولا يجيدها أيّ كاتب،
أظنّ أنّ الكثيرين قرأوا، أو سمعوا عن أهميّة التربية والتعليم في التأسيس للمستقبل القادم.
أعتقد أيضا أنّ تقييم تلك البرامج يُفترَض أن يشرف عليه اختصاصيّون من المؤهّلين في التربية، وعلم النفس، لا أن يكون مجرّد سرد كلام ، لا الجالس كتلميذ يستفيد منه، ولا مَن يتابعه يشعر بأنّه أمام مايفيد، ويجذب.
عبد الكريم النّاعم