التدليس ..وما أدراك ماالتدليس ؟! إن ابن منظور في لسانه: لسان العرب يراه كتم العيب في الشيء المبيع عن المشتري ، ويراه المخادعة والغدر والظلم ، وفي الحديث الشريف : إغفال ذكر من سمع الحديث منه وذكر راوية أكبر منه ليوهم أنه سمعه منه .
ولكن صديقي أبا أسامة يراه مظهراً من أشنع مظاهر الفساد على مختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والتربوية والفنية والسياسية والاقتصادية ، فمن التدليس الاجتماعي مايقوم به بعض الآباء والأمهات من إخفاء عيوب أبنائهم بدلاً من مواجهتها ومعالجتها فابنهم يرى الصف العاشر داشراً ويرى الصف الثاني الثانوي خالياً من الأماني فيغيب أحياناً وأحياناً تعني قليلاً بينما هويداوم دواماً في صالات –البلياردو- والانترنت .
وهو بسبب مراهقته يدفعه رفيق سوء إلى مصمصة رحيق سيجارة بينما هم يعلمون حق العلم أنه يدخن علبتي سجائر في اليوم ويمتص أنفاس ثلاث نراجيل ، وهو ذكي بل عبقري يتفوق على – أديسون وماري كوري وأنشتاين وبل غيتس .. لو جلس إلى الكتاب نصف ساعة فقط نصف ساعة وإذا مانبهه مدرس بسبب إهماله دروسه وواجباته ، أو قطب إداري حاجبيه في وجهه بسبب سوء سلوكه قامت القيامة ولم تقعد فقد جرحت مشاعره المرهفة ، وأهينت نفسه الشفافة الراقية ، وأصبح بحاجة إلى عيادة نفسية ومعالجة طويلة أو على الأقل إلى –دعم نفسي – هذا المصطلح الذي شاع كثيراً في وطننا أثناء العدوان الكوني الوحشي على هذا الوطن ، وقد تصدى لهذا الدعم النفسي من يعرف ، ومن يعرف بما لا يعرف بل ربما كان الداعم نفسياً بحاجة إلى دعم نفسي ، بل ربما كان يحمل من العقد النفسية ما يعرفه عالم النفس سيغموند فرويد ومالا يعرفه .
وهنا يفجعك أحدهم بتلك المقولة اللامعقولة بل العبثية المتخلفة : يا لله .. لاتدقق ..كله عند العرب صابون .. ياسلام !!
صابون الغار .. صابون فا .. شنان المخباط على الساقية .. كله صابون !!!
وغير بعيد عن مساواة صابون الغار بشنان المخباط على الساقية ما يمكن تسميته التدليس الفني الذي يبدو صارخاً فاقعاً أمامنا .
فكل من نعق أو بعق بجملتين أو أكثر بقليل على قرع الطبل صار اسمه النجم العربي الكبير حتى ضاقت سماؤنا بالنجوم وصارت أضواؤها كأضواء الملاهي الليلية ، فهذا نجم يدلس بهز كتفيه وردفيه ليخفي عيوب الصوت والأداء ، وتلك تدلس بالغناء من شق في ثوبها فوق ركبتها ، وذاك يدلس بالغناء من ربطة عنقه الباريسية وحذائه الايطالي لإخفاء عيوب حنجرته وحباله الصوتية وجهله بالمقامات الموسيقية ويظل الطبل حاضراً في كل تدليس مما جعلني أتساءل عن العلاقة بين الطبل وثقافة العنف التي انتشرت ؟!
أراني استرسلت في الحديث عن التدليس الاجتماعي والفني وكان بودي أن أتحدث عنه في ميادين أخرى ، ولكن يبدو للتدليس حديث آخر.
د. غسان لافي طعمة