كانت الخيبة كبيرة و قاسية تعجز الأقلام عن وصفها، إذ تحولت السفوح و التلال المشجرة و المنتشرة حول منازل الفلاحين إلى أشباح سوداء مخيفة ، اختفت الأشجار بشكل كامل ، فأكلت النيران شقاء و تعب عمر كامل قضاه المزارع بالعمل تحت وطأة البرد شتاء و قساوة الحرارة صيفاً لتدبير أمور حياته الصعبة ،إذ لا عمل له و لا مصدر رزق سوى الأرض التي توارثها جيلاً بعد جيل ليكون بينه و بينها تواصل روحي قبل أن يكون معيشياً ، وهي بمثابة الرحم الذي كان يمده بالحياة…
توجهت أصابع الاتهام إلى الجو الحار وإهمال الأرض و تركها دون حراثة إضافة إلى قلة الطرقات الزراعية و المعارج الصعبة و الخطرة لبعض الأراضي الجبلية الوعرة .. هي أسباب يقبلها العقل و لها دور أساسي في عملية الحريق ،و لكن التفكير اللاإرادي يتجه إلى وجود أياد خفية متلاعبة بأرزاق المزارعين تلجأ باستمرار إلى افتعال الحرائق لتأكل شقاء عمر كامل للفلاح الذي ينتظر موسمه سنة بعد أخرى فتذهب خيرات أرضه إلى الفناء لتستثير قلقه بعد أن عمرها بالأشجار المثمرة و غمرها خضرة و ثماراً يانعة ، اعتنى بمكوناتها من شجر و حجر و تراب ، أعطاها عصارة عمره و زهرة شبابه ، فلا مفر أمامه و هو يرقب الحريق الذي التهم أرضه و أتى على الأخضر و اليابس سوى اقتلاع الأشجار المحروقة و محاولة إعادة الحياة إليها من جديد لأنه لم و لن يعرف اليأس و لو كلفه ذلك مبالغ باهظة و سنين طويلة لتعود الأرض إلى الإنتاج كما كانت دوماً ، و كله أمل بمساعدة المعنيين في إعادة تجديد الأشجار و زراعتها .
مشكلة الحرائق ، مشكلة قائمة و دائمة يجب معالجتها و التحري عن أسبابها وتكثيف التحقيق عن المسبب ، إضافة إلى زيادة الرقابة على البعض الذين لهم مصلحة في احتراق الأشجار و لهم اليد الطولى في نشوب الحريق ، و الذين هدفهم الأول جعل الأشجار ترقد بخنوع في مواقد المعوزين بعد أن كانت تضج حيوية و حياة في أرضنا المعطاء .
العروبة – عفاف حلاس