هل الناقد قاض أم محام ؟

كلمة ( النقد ) تعني في مفهومها الدقيق ( الحكم ) وهو مفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة ، فالناقد الأدبي يعتبر مبدئياً كخبير يستعمل قدرة خاصة ومرانة مميزة في قطعة من الفن الأدبي هي عمل لمؤلف ما ، فيفحص مزاياها وعيوبها ويصدر عليها حكماً .
كثيراً ماتوجد حملة على النقد ، خلاصتها أننا نريد أن نفهم عمل المؤلف بأنفسنا ، فما فائدة كل هذه الوساطات الكثيرة ؟ لماذا ننفق الوقت في قراءة ما قاله النقاد ؟ وقد نما في العصر الحديث أدب طفيلي من الشرح والعرض والتعليق على الأعمال الأدبية من شعر ورواية وقصة قصيرة ومسرح ، فدراسة الناقد للكتب لا يمكنها أن تكون بديلاً عن دراسة الأدب المنقود لأنه لايجوز أن نكتفي بهذا النوع السطحي من المعرفة للكتب ومؤلفيها فهذا شيء مخالف لحيوية المعرفة وعمقها .
إن للنقد مكانه المشروع ومهمته المشروعة ، لأن الفرق بين الأدب الذي يتناول الحياة مباشرة وبين الأدب الذي يتناول ذلك الأدب بالنقد فرق أساسي فالأدب ينتج من أي شيء يهمنا في الحياة ، أما النقد فينتج عن تذوق ذلك الشيء ، ومن الهام أن نميز بين ضرر النقد وبين فائدته كي نعرف متى يصير عوناً للقارىء ومتى يصير مخادعاً له .
يصير النقد خدعة حين نظل قانعين بماقاله الناقد عن المؤلف بدل أن نذهب مباشرة الى ذلك الأديب ، متذرعين بعدم وجود وقت فراغ لقراءة آثاره و الاكتفاء بالملخصات شأننا في ذلك شأن طلاب الجامعات ، ومن هنا راج أدب العرض والتلخيص تحت شعار ( من الأفضل أن نعرف شيئاً قليلاً عن ذلك الكتاب الهام من ألا نعرف شيئاًعلى الإطلاق )
إن تشوقنا إلى قراءة نتاج الأدباء المشهورين لتشوق طبيعي مشروع ولكن الحياة قصيرة ، ودائرة فراغنا محدودة والنتاج الأدبي ضخم للغاية ويحتاج وقت طويل لقراءته ، ومن هنا تبدو الحاجة ماسة لتلك العروض والتحليلات عن الأعمال الأدبية التي يقوم بها بعض النقاد، والناقد الحق يزاول عمله بمعرفة هي في عمقها وصحتها أكثر بكثير من معرفتنا نحن وقدرته على التفهم أكثر من قدرتنا فهو مؤهل لأن يشير إلى القوة والجمال والعبقرية في الأعمال الأدبية فبمساعدته نستكشف أرضا جديدة وجوانب غير منظورة ، مما يجعلنا نغير آراءنا الخاطئة التي سبق أن كوناها عند قراءة عمياء سابقة .
للنقد مهمتان أساسيتان : مهمة التفسير ومهمة الحكم والتفسير وسيلة للحكم ، فهو يتغلغل خلال قلب الكتاب فيحلل صفاته من الجمال أو القبح والقوة أو الضعف ويميز بين ما هو روح وفن وبين ما هو ادعاء وتلفيق ، ثم يربطه بأعمال سابقة للمؤلف حتى يظهر الجدة والابتكار فيه أو التكرار المجاني الذي لايجدي نفعاً ، ويتم ذلك بنزاهة وحياد وقد يجعلنا نحكم على قيمته بأنفسنا من خلال ماقدمه من صدى وعلامات.
نزيه شاهين ضاحي

المزيد...
آخر الأخبار