الحيوان في القصة القصيرة.. «اليــوم الأخيـــر مـــن حيـــاة ذئـب» نـموذجـاً

حضر الحيوان في الحكايات والأساطير مع نشوء القص الشفهي، فالحيوان قابل بطبيعته السلوكية والشكلية أن يحمل الكثير من الإسقاطات والرموز والدلالات، إضافة إلى إضفاء نوع من الغرابة والإثارة لزيادة التشويق والمتعة. واستمر الأمر كذلك حتى بعد دخول عصر التدوين والكتابة، لاسيما في قصص الأطفال، أما في قصص الكبار فلم يعد الحيوان يلعب هذا الدور الكبير في تشكيلها، ونادرة هي القصص التي تولي للحيوان عناية خاصة.
المجموعة القصصية التي حملت عنوان (اليوم الأخير من حياء ذئب) للقاص الدكتور (جرجس حوراني) قدمت مجموعة من القصص التي يلعب الحيوان دورا أساسيا فيها، وسنبدأ دراستنا من قصة (اليوم الأخير من حياة ذئب) التي سنوليها عناية خاصة، باعتبار المؤلف وجدها أكثر قصصه تميزا حتى أطلق اسمها على عنوان كتابه. ومن العنوان نجد أن بطل هذه القصة حيوان، والمؤلف يستخدم الحيوان في القصة كحامل لأفكاره ووجهة نظره، دون مراعاة خصائص الحيوان لدى أنسنته في بعض القصص، وبذلك طغى حضور الكاتب بشكل مباشر، وغابت الحيلة الفنية، حتى أننا نجد المؤلف يطرح مقولاته دون مواربة: (عندما نترك أنفسنا على سجيتها ننجح أكثر من نجاحنا في إتباع الخطط المرسومة) ص8. وقد يبالغ الكاتب في تحميل القصة أكثر مما تحتمل عندما يريد التعبير للقارئ عن كل ما يجول في ذهنه دفعة واحدة، وهذا ما يجنح بالقصة من الرمزية الفنية إلى الوعظية الموجهة: (غريب أمر الإنسان. إنه لا يخجل من كذبه وعدوانيته، ويخجل من ممارسة الموبقات صراحة. إنه يقتل ويسبي ويغزو بلا خجل. إنه يأكل ويشرب ويرقص ويغني علانية.
ما هذا المنطق الذي يسير عليه؟ كيف يكرم القتل، ص9. حتى أن الكاتب يبالغ أحيانا بسمو الحيوان من الناحية الأخلاقية ليدين التدني الأخلاقي لدى البشر: (هل نتنكر لتراثنا الذي يعود إلى ملايين السنين؟ إذن نكون مثل البشر الذين يغيرون ويبدلون من تراثهم حتى لم يبق عندهم تراث يركنون إليه. لقد غيروا وبدلوا كثيرا من قيمهم وأخلاقهم وعاداتهم حتى صاروا بلا قيم ولا أخلاق ولا عادات.. إن عالمهم غريب علينا، فلأركن إلى ما نحن عليه من كرامة وعزة نفس) ص10. لهذا يجعل الكاتب الذئب يتحمل جوعه، ولا يستغل الفرصة السانحة للانقضاض على رجل وامرأة، وهذا جعله عاجزا عن السير والهروب، وذلك ما مكن الرجل من الفتك به وقتله، بينما تزغرد المرأة معلنة لأهل القرية مقتل الوحش المفترس. بينما يستمر الذئب في تداعياته الفلسفية حتى أخر لحظات حياته.
وتلك العلاقة العدوانية بين الإنسان والحيوان تتبدل وتتغير في قصة (الصباحات المريرة) حيث نجد علاقة مفرطة في الود تجمع بين الإنسان والحيوان، ولكن الإنسان هو المتحدث في هذه القصة، وان كان الحيوان محور حديثه. فبطل القصة يظن أن أحدهم قتل حصانه، بينما يؤكد الجميع أنه مات ميتة طبيعية، ورغم ذلك يفقد صاحب الحصان إحساسه بالانتماء إلى القرية، ويقرر الرحيل بعد فقدان الحصان الذي كان فيما يبدو هو الرابط بين الإنسان والمجتمع والمكان. وهنا نجد ثمة مبالغة أيضا في علاقة الإنسان بالحيوان، وان كانت بصيغة معكوسة.
ولابد من الإشارة إلى أن وجود الحيوانات يتكرر في قصة (ذلك الصهيل) التي بطلها حصان أيضا، و (قصة حب) بطلها ديك، وقصة (قبر في حديقة) بطلها كلب. وهذا ليس بغريب إذا عرفنا أن أحداث معظم القصص تجري في الريف، فالحيوان في القرية متواجد مع الإنسان بعلاقة مباشرة في حياته اليومية.
***
القاص الدكتور (جرجس حوراني) يكتب القصة القصيرة بعفوية جميلة، متوخيا التواصل مع القراء من خلال قصصه التي تقترب أحيانا بأسلوبيتها من الحكايات الشعبية، وبمواضيعها من الأحاديث المتبادلة بين الناس. وهذا ما يجعل لقصصه نكهة خاصة، تميزه عن سواه، وتجعل له خصوصية طيبة تقربه من عامة الناس على اختلاف مشاربهم.
سامر أنور الشمالي

المزيد...
آخر الأخبار